أوراق طبية رياضية – التدريب الذهني في الرياضة

د. فالح فرنسيس
كنت أهاتف احد أقطاب الرياضة العراقية وكابتن المنتخب الوطني العراقي بالكرة الطائرة في الثمانينات من القرن الماضي الأخ عامر خليل، وتخلل الحديث مواضيع عن علم التدريب وعلم النفس الرياضي، وإذا به يفاجؤني قائلاً: دكتور .. لماذا لا تكتب عن التدريب الذهني او العقلي في الكرة الطائرة! اجبته: نعم انه موضوع شيّق ومهم، لكنني سوف لا أتحيز الى لعبتي المفضلة الكرة الطائرة، بل سأكتب عن “التدريب الذهني” Mental Training في الرياضة بصورة عامة.
يعتبر التدريب العقلي ( الذهني) علم حديث نسبياً يستهدف إعادة إحياء مهارات الحفظ وتسريعه، وتقوية الذكاء .. وفي الرياضة يعتبر التدريب الذهني جزءاً أساسياً في علم التدريب لغرض إعداد اللاعب للدخول الى المنافسات، حيث يتضمن تصور الحركة وتسلسلها والمواقف والأهداف وجميع إبعاد المنافسة من حكام وملعب وأدوات وأجهزة، كي يستطيع اللاعب إن يمتلك القدرة على تحليل أداء المنافس وتطبيق الخطط الموضوعة خلال التدريب ، حيث أن الإنجازات الرياضية تتطلب قدراً كبيراً من المستخدامات الذهنية وإصدار القرارات خلال المباريات او البطولات.
يستطيع الرياضي بإستخدام التدريب العقلي ان يستعرض ذهنياً الاخطاء التي ارتكبها سواءً خلال التدريب او المباريات وبالتركيز على كيفية حدوث الخطأ يحاول ان يصلحه (عقلياً) وبالتالي سوف لن يكرره ثانيةً (بدنياً). كما يستطيع التحكم في ردود الفعل العصبية والعاطفية وتقليل التوتر ورفع مستوى الثقة بالنفس. يتضمن التدريب العقلي الطرق العملية التالية:
- التصور Visualization: حيث يستخدم اللاعب حواسه لتصور نفسه وهو يقوم بأداء الحركات المطلوبة لتلك اللعبة الرياضية، كالضرب الساحق في الكرة الطائرة او التهديف في كرة السلة اوالضرب المستقيمة او الخاطف في الملاكمة او الحركات الارضية او على الحصان في الجمباز، وهذا مما يزيد من الثقة ويحسن الإنجاز.
- التكلم مع النفس Self – talk: يستطيع الرياضي إعادة صياغة الحركات والتصرفات الخاطئة بالتكلم الإيجابي الى النفس لغرض زيادة تثبيت الحركة عقلياً.
- تحديد الهدف Goal Setting: تحديد الهدف من قبل الرياضي يساعده على تصحيح الاخطاء والابتعاد عن المرور بمرحلة الإحباط عند الفشل او الخسارة.
- الوعي Mindfulness: ويعتمد على التركيز الكامل للرياضي على ردود فعله الشخصية وحركة اللاعبين الآخرين في الفريق لكي تنطبع في الدماغ وتساعد على تصحيح الاخطاء في الوحدات التدريبية التالية والمباريات القادمة، وإضافة الى ذلك فإن أداء الحركات بصورة صحيحة سيعمل على تقليل التعب الذي يشعر به الرياضي.
- تحسين الأداء Improving Performance: بدمج خطّي التدريب الرئيسية “البدني” و “العقلي” يستطيع الرياضي تطوير الأداء وتحسين الانجاز في معظم الالعاب الرياضية.
- التحضير للمباريات Preparing for Competitions: بواسطة عمل ما يسمى بالتمثيل العقلي لمهاراة اللاعبين وخططهم في الملعب قبل المباراة.
- بناء الثقة Building Confidence: بالتكرار والتدريب الذهني يستطيع اللاعب من بناء ورفع مستوى الثقة بالنفس والثقة بالامكانيات والثقة بالفوز على الخصم.
- المساعدة بالتغلب على العقبات العقلية Helping to Manage Mental Barriers: يمكن بالتدريب العقلي التغلب على الكثير من الحالات الصعبة التي يمر بها اللاعبون قبل وخلال المباريات او البطولات كالشعور بالخوف او الاختناق او القلق وغيرها.
وهكذا نرى في الكرة الطائرة على سبيل المثال، بأن التدريب الذهني يعمل على تطوير إمكانيات اللاعب وتحسين إنجازه سواء في الاعداد للهجوم او في الدفاع الخلفي او حائط الصد على الشبكة او في حالات التموي بالضرب الساحق، وذلك عن طريق استمرارية اللاعب في التركيز على الحركات السريعة خلال المباريات، وليكوّن وحدة متماسكة مع بقية افراد فريقه. هذا بالاضافة الى تحسين الثقة بهدف التغلب على الخصم. كل ذلك سيقود اللاعب الى تقليل الشد العصبي والنفسي وتحسين المزاج والشعور بالفخر للإنجاز الذي يحققه.
اما في كرة القدم فمن اهم التدريبات الذهنية هو التدريب على اتخاذ القرارات بسرعة اثناء التدريبات والمباريات .. فعند حيازة اللاعب على الكرة يجب عليه اتخاذ القرار بسرعة البرق: الى اي لاعب اناول؟ تمرير ام إنهاء؟ هل التمريرة ستكون صحيحة الى امام او الى الخلف؟ حيث تتطلب كل خطوة قرارات صحيحة، ويجب أن يتم ذلك على وجه السرعة وبشكل هادف. لكن غالبًا ما تؤثر الحالة العقلية على اتخاذ القرار. على سبيل المثال، إذا تمت مراوغتك من قبل خصمك ، فقد ترغب في اللعب في الفرصة التالية بدلاً من اتخاذ القرار الأكثر منطقية وتسليم الكرة إلى زميلك في الفريق. لذا نرى بأن التدريب الذهني يساعد على التخلص من هذه العادة في الحياة اليومية، واتخاذ قرارات أفضل على أرض الملعب خلال المباراة على المدى الطويل.
من ناحية اخرى من المهم للاعب كرة القدم ان يستعد بصورة خاصة لمواقف المنافسة، فليس من الممكن دائماً أن تتدرب على وجه التحديد على المواقف الحاسمة. مثلا الدفاع ضد لاعبي المراوغة القوية، أو السلوك في حالة سجل الخصم هدفاً ضد فريقك. حيث يمكن التدريب على هكذا مواقف من قبل المدرب والفريق بالتحدث معاً عن السلوك الضروري في هذه الحالة. تسجيلات الفيديو والرسوم التوضيحية على السبورة البيضاء هما طريقتان لتصور هذه المواقف والتصرف فيها. علماً بأنه يجب تعيين دور محدد لكل من اللاعبين المعنيين. ثم يعاد المشهد ويلعب اللاعبون دورهم عقليًا مع الإرشادات التكتيكية المرتبطة بها عدة مرات.
مثال: يخسر الفريق مراراً وتكراراً لأن اللاعبين تركوا الخصم يبتعد كثيرًا في نصف ملعبهم. يمكن إبطال ذلك عن طريق الضغط المستهدف. في هذه الحالة وعن طريق التدريب الذهني ، يتم الآن تعليم اللاعبين الفرديين على أدوارهم في الفريق (على سبيل المثال ، جزء من المدافعين الأربعة يضغط على الخصم بعد خسارة الكرة). يتخيل اللاعبون الموقف عدة مرات ويأخذون التفاصيل ذات الصلة بنظر الاعتبار خلال الوحدة التدريبية لكي يكونوا متهيئين له فيما لو حدث خلال المباراة.
بعد هذا الموجز للتدريب الذهني (العقلي) في الممارسة الرياضية، ننصح مدربينا بالاهتمام بهذا النوع المهم من علم التدريب والاستعانة بالمصادر العلمية المتوفرة في المكتبات والمتعلقة بالتدريب الذهني، او الاستعانة بإختصاصيي علم النفس الرياضي الذين لابد وان يكون لهم الباع الاعلى في هذا الموضوع.