الأنماط الجسمية والاختيار في الرياضة

د. فالح فرنسيس
تمكن بعض العلماء من التوصل إلى إيجاد علاقة بين أنماط الجسم والقدرات الحركية في بعض الأنشطة التنافسية عن طريق القياس بدراسات حول أجسام بعض الرياضيين الذين حققوا مستويات عالية في مختلف الأنشطة الرياضية، حيث وُجد أن لكل نشاط رياضي نوع جسماني معين يتميز به وقد يشترك مع غيره في أداء الأنشطة. على هذا الأساس، نرى بأن إحدى عناصر التطور الرياضي والوصول إلى المستويات العليا في الإنجاز وتحقيق هذه الأرقام الإعجازية بالطريقة العلمية الصحيحة في اختيار الرياضي المناسب إلى اللعبة المناسبة لنمطه الجسمي وقياساته الجسمية تبدأ من اختيار الرياضي الصحيح.
تدخل الأنماط الجسمية ضمن علم كبير هو علم المورفولوجيا، وهو علم يهتم بدراسة شكل وبنية الكائنات الحية وخصائصها المميزة من ناحية المظهر الخارجي (الشكل، الهيكل، اللون، النمط، الحجم وقياسات الجسم)، بالإضافة إلى شكل وبنية الأجزاء الداخلية مثل العظام والأعضاء.
وتنقسم الأنماط الجسمية حسب تقسيمات العلماء إلى ثلاثة أنواع:
- النمط النحيف (الاكتومورفي): من مميزاته طول أو متوسط القامة، وتكون الكتفان نحيلان ضيقان، أما الصدر فيكون مفلطحًا. يتميز الشخص في هذا النوع من الأنماط بأن وزن الجسم أقل من المطلوب، مع ضعف وصغر حجم العضلات، أما الذراعان فتكونان رفيعتين وطويلتين. هذا وبالرغم من ضعف وصغر الجهاز العضلي لهذا النمط، إلا أنه يمكن اختيار الأشخاص المنتمين لهذا النمط إلى ألعاب المطاولة مثل الجري الطويل والماراثون، ومن خلال التدريب والتغذية الصحيحة يمكن الحصول منهم على أبطال نحيفين عالميين.
- النمط السمين (الإندومورفي): ويتميز هذا النمط بقصر القامة مع استدارة الجسم واتساع الحوض. يكون الجسم ممتلئًا مع استدارة الوجه. وتكون اليدان والقدمين متوسطتين مع قصر العنق والأطراف. أما قدراته الحركية فغالبًا ما تتميز بالبطء الحركي والقدرة على التوافق في أداء الحركات أثناء اللعب. هذا النمط يتميز بسرعة الأداء والسعي لمحاولة الابتكار، كما يتميز بجهد كبير في العمل، بالإضافة إلى سرعة التكيف الحركي ودقة وإجادة حركات الخداع في مواقف السيطرة. الأنشطة المناسبة لهذا النمط: السلاح، كرة الطاولة، جري المسافات المتوسطة.
- النمط العضلي (الميزومورفي): يكون عادة طويلًا أو متوسط القامة، مع قوة العضلات وتناسقها واتساع الكتفين والقفص الصدري. كما يتميز بكونه طويل الأطراف والعنق ونحيف الخصر مع اكتساء الذراعين والساقين بالعضلات. أما قدراته الحركية للنشاط الرياضي فهي أقل بالنسبة لسرعة الأداء الحركي، لكنها تتميز بقوة الأداء ولهذا فهو يميل لاستخدام الاحتكاك الجسمي أثناء الحركة واللعب. ويعتبر هذا النمط من الأنماط الجسدية المفضلة في الاختيار للممارسة الرياضية بشكل عام وخاصة للرياضيين ذوي المستويات العالية وأبطال المستقبل، مع الأخذ بعين الاعتبار القياسات الجسمية (الأنثروبومترية) المناسبة لهذه اللعبة الرياضية أو تلك.
توصل الخبراء إلى استخدام القياسات الأنثروبومترية في عملية اختيار اللاعبين، وهو الأسلوب الذي شاع استخدامه في المجال الرياضي لدقته وموضوعيته، هذا علاوة على أنه لا يستخدم الصور الفوتوغرافية التي يستعملها البعض والتي قد تكون مكلفة للبعض. يعتمد هذا الأسلوب على القياسات الجسمية المتمثلة في: الطول بالسنتيمتر، الوزن بالكيلوغرام، معدل الطول-الوزن، بالإضافة إلى قياس سمك ثنايا الجلد في ثلاثة أو أربعة مناطق من الجسم، بالإضافة إلى القياسات العرضية المتمثلة في (عرض العضد، عرض الجسم، ونسبة أطوال الأطراف إلى الجذع).
وقد وضع العالمان هيث وكارتر معادلات لقياس سمك ثنايا الجلد باستخدام جهاز (Calliper Skin Fold) التي تبين انتماء الشخص إلى أحد الأنماط الثلاثة: السمين، العضلي، والنحيف. وتعتمد هذه المعادلات على قياسات طيات الجلد في مناطق معينة مثل: الكتف، أعلى بروز العظم الحرقفي، خلف العضد، وأسفل لوح الساق، وغيرها.
تم الكشف عن علاقة بين النمط الجسمي والقدرة على تحمل الأمراض والقدرات النفسية، بالإضافة إلى التأثيرات الأخرى على التكوين الجسمي وسلوكيات الفرد. الدراسات أظهرت أن النمط العضلي يتفوق على النمطين الآخرين في القوة، بينما يتفوق النمط السمين في القوة على النمط النحيف، وفي نفس الدراسة تبين أن النمط النحيف قد تفوق في اختبارات الرشاقة والسرعة.
لا بد لنا من أن نوضح أن تثبيت انتماء الشخص إلى أحد الأنماط الجسمية هو الخطوة الأولى في عملية الاختيار، والتي تعقبها توجيه اللاعب الذي تم اختياره إلى اللعبة الرياضية المناسبة للقياسات الأنثروبومترية لجسده.
فعلى سبيل المثال، تحتاج لعبتا كرة السلة والكرة الطائرة إلى لاعبين طوال القامة (أعلى من 190 سم)، ولكن هناك فرقًا في الاحتياجات البدنية بين اللاعبين في كل من الرياضتين، ففي كرة الطائرة يجب أن يتمتع اللاعب بالمرونة العالية لعضلاته ومفاصله، مع التركيز على القوة في الأطراف السفلى لأداء القفز المرتفع. بينما في كرة السلة، يحتاج اللاعب إلى القوة والضخامة مع تركيز الطول في منطقة الجذع لتمكينه من التصدي للهجمات.
وفي ضوء ما تقدم يتضح أن بنية الجسم المورفولوجية محددة بصفات وراثية وقياسات جسمية خاصة لها علاقة مباشرة بإمكانية الفرد على ممارسة الرياضة، كما تشير إلى أهمية وضع اللاعب في النشاط الرياضي أو اللعبة الرياضية التي تناسب نمطه الجسمي وقياساته الأنثروبومترية التفصيلية.
أخيرًا، يجب الأخذ في الحسبان أن تكوين الجسم يكتسب نفس أهمية بناء الجسم عند محاولة رفع أداء اللاعب إلى الحد الأقصى. وفي رياضة المستويات العليا، فإن الخطوة الأولى المهمة هي الاختيار الصحيح للرياضي.