من أجل قضية فاعلة ترتقي لمستوى التحديات – شعبنا بين نار الوطن وتيه المهجر – الخلاصة *
جورج هسدو
بعد سلسلة المقالات والتي وصل عددها إلى إحدى عشرة مقالة، وبعد المرور على مضامينها وقراءة محتواها، ومن خلال التعرف على الأفكار والرؤى الموجودة فيها، سنتوصل إلى نتيجة واحدة وهي “أن حالنا اليوم كأمة وكقضية وحتى كمجموعة بشرية ليس جيداً بل هو سيئ وقد يكون سيئٌ جداً أيضاً”.. فواقعنا القومي مشتت وغير مستقر ووجودنا مقسم بين الوطن والمهجر، والمعاناة من ظلم المكونات الكبيرة مستمرة، ونحن نواجه أزمة هوية ولدينا إشكالية التسميات، وولاؤنا مجزأ بين الإنتماءات المذهبية والقبلية والمناطقية، كما أن جغرافيتنا محتلة وعمليات السطو عليها مستمرة.. وشعبنا يواجه صراعاً خاسراً وغير متكافئ لا من الناحية العددية ولا على مستوى الإمكانيات المادية، وقضيتنا القومية في تراجع مستمر بسبب سوء إدارتنا لملفاتنا السياسية، وشعبنا لا يمتلك أصدقاء حقيقين ولا حلفاء دائميين، والظروف الموضوعية ليست في صالحنا كما أن ظروفنا الذاتية مهلهة، وطروحاتنا السياسية وتنظيراتنا القومية باتت منتهية الصلاحية!!.
وهنا اسمحوا لي أن أستعير فقرة من (ورقة داخلية) كنت قد كتبتها قبل سنوات، ((أعتقد بأني لن أجافي الواقع إذا قلت أن نسبة 90% من أبناء شعبنا في الوطن باتوا لا يثقون بالسياسة القومية ويفضلون النأي بأنفسهم عنها (وهل نلومهم؟)، وأن نسبة 90% منهم لديهم مشاريع هجرة مؤجلة.. كما أن نسبة 90% من العاملين في الحقل السياسي القومي الحالي هم من الإنتهازيين والوصوليين، وأن نسبة 90% منهم عملاء ومتآمرين وهم لا يتوانون عن المتاجرة بقضية شعبنا وآلامه (فهل نحاسبهم؟!).. أما ما يتعلق بالـ 10% من المؤمنين والمرابضين والمناضلين والمضحين فأن أدائهم وفي أحسن الأحوال لا يتجاوز الإلتزام بمبدأ إرضاء الضمير فحسب، وحتى أولئك يضطرون أحياناً للرضوخ والقبول بالمساومات ويبررون للدبلوماسية الخاسرة من منطلق أن الحصول على القليل أفضل من لا شيء بينما الحال وصل إلى حد.. تهديد الوجود!!.)).
والنتيجة التي تكاد تكون (رغماً عنا) سوداوية، هي:
– أحزابنا السياسية باتت وسائل لا تحقق الهدف!!.
– كنائسنا تحولت إلى وسائل تسيئ إلى الهدف!!.
– مؤسساتنا المدنية هي وسائل تبتعد عن الهدف!!.
– تمثيلنا السياسي رديء!!.
– إعلامنا القومي فاشل!!.
– شارعنا القومي خامل!!.
– لا نمتلك جماعة ضغط!!.
والسؤال الذي من المفروض طرحه هنا هو، ما الحل؟ أو هل لدينا حل أصلاً؟ وإذا كان هناك حل فبالتأكيد لن يكون عصا سحرية تقلب كل هذه الخسارة وكل هذا الضعف إلى ربح وقوة بإشارة من حاملها، بل في حده الأقصى سيكون (مقترح حل) ربما يكون نافعاً إذا ما تم تبنيه والعمل عليه بشكل جدي وفاعل.. وربما لن يكون أكثر من محاولة أخرى تندرج في خانة (الإجتهاد) عسى أن تحقق ولو تقدماً بسيطاً أمام كل هذا التراجع، لكن بالتأكيد لن يكون مضراً في حال تم الأخذ به أكثر من ما نتعرض له من ضرر على مستوى (القضية والشعب والأرض والهوية) وحتى أساسيات العيش الرغيد.. وأنا اليوم أرى بأن مستقبل شعبنا مجهول أكثر من أي وقت مضى، لذا علينا التحول من وضعية المدافعة عن الخسارات إلى وضعية المهاجمة لتحقيق المكاسب، والإنتقال من حالة الإرتجال الفوضوي إلى حالة التخطيط المنظم لتحويل إخفاقاتنا إلى نجاحات.. وإذا لم نتحرك سريعاً لانقاذ خصوصيتنا الإثنية ووجودنا الديني وتدارك تشتتنا الديمغرافي وأنقاذ قضيتنا القومية واستحصال حقوقنا السياسية من خلال السعي الجاد والحثيث والمبرمج وترك الأنا ونبذ الخلافات الداخلية والتركيز على المشتركات، فأننا سنشهد في المستقبل القريب خسارة تاريخ ونهاية قضية وتشتت شعب (بالكامل)!!.
والمقترح يتركز على منظورين:
الأول: الكف عن المراهنة على (الداخل) وعلى أداء الفعاليات القومية الموجودة في الوطن وبالأخص الأحزاب السياسية، حيث أن ما موجود اليوم في الوطن من (فعل قومي) بشكل عام قد قدم ما لديه ولم يعد هناك ما يمكن أن يفعله لتغيير المعادلة الخاسرة التي نتجرعها منذ عقود.. كما لن يكون من المفيد الإستمرار بإلقاء المزيد من المسؤوليات على عاتق الفعاليات القومية العاملة في الوطن في ظل تنامي الممارسات العدائية للسلطة والفكر العنصري للأطراف السياسية، وسيكون من غير المنصف مطالبتها بما هي غير قادرة على (تقديمه أو تحمله أو تبنيه).. وسيكون من الأفضل تركها (الفعاليات القومية) تفعل ما تراه مناسباً وما تعتقده ملائماً وما تعتبره ممكناً، حيث عدم التركيز عليها يعني في المقام الأول التوقف عن الإستمرار بتحميلها مسؤولية الإرتقاء بقضية شعبنا، وبالنتيجة الإبتعاد عن إلقاء اللوم عليها قدر الإمكان.
الثاني: تفعيل (الخارج) والإعتماد على إمكانيات شعبنا البشرية والمادية الموجودة في المهجر، حيث أن نسبة شعبنا اليوم في دول الشتات تكاد تكون ثلثي نسبته الموجودة في الوطن (إذا لم تكن أكثر)، كما أن مساحة التحرك وحرية التعبير تكاد لا تقارن بالموجود في الوطن.. أضف إلى ذلك التحفيز المعنوي والمادي الذي توفره الأنظمة الليبرالية في الدول الديمقراطية التي يتواجد فيها شعبنا، حيث ومن خلال المدافعة عن حقوق شعبنا المهضومة في الوطن يمكن تحقيق مكاسب ثانوية (جانبية) على المستويين المادي والمعنوي تصب في مصلحة قضيتنا القومية.. لكن الأهم يبقى وجوب إبتعاد هذه التشكيلات أو الكيانات عن التورط في مشاكل التنافس الحزبي (وتحريم) دخولها في سباق التمثيل السياسي والكراسي البرلمانية، والإكتفاء بالنشاط الخارجي (الدولي) الساعي للإرتقاء بقضية شعبنا إلى مستوى التحديات المحيطة، وبعبارة أدق وأشمل لم يعد أمامنا حل سوى العمل على تدويل قضيتنا القومية واللجوء إلى الدعم الخارجي (وربما تكون فرصتنا لأخيرة).
وأخيراً فأني من هذا المنبر أعلن أن غايتي الرئيسة من هذه السلسة أو ما قد يليها من تحليلات ومقالات رأي هي محاولة للوقوف عند الأخطاء التي تمارس بحق شعبنا وقضيته القومية ومحاولة التقليل من ضررها (ولن أقول معالجتها)، وأني منذ اليوم الذي تركت فيه العمل القومي (السياسي) وهاجرت الوطن قررت أن لا أنخرط في أي عمل مؤسساتي.. كما أني أؤكد إستعدادي الدائم لتقديم أية مساعدة ممكنة لأي حراك أو مسعى يصب في مصلحة قضيتنا القومية بشرط عدم الإنضمام لأي تشكيل قومي لا سياسي ولا مدني، وهو ما أقترحه على جميع السياسيين والحزبيين الذين أخذوا فرصتهم في العمل القومي وخاصة الذين استمروا فيه (لعقود) بغض النظر عن نتاجهم إن كان سلبياً أو إيجابياً، فاليوم شعبنا وقضيتنا بحاجة إلى أفكار حديثة وطاقات شابة وجهود إستثنائية وعقليات.. غير ملوثة.
* (12-12)سلسلة مقالات تتناول جوانب رئيسية في العمل القومي والأداء السياسي (الكلداني-السرياني-الأشوري).