من أجل قضية فاعلة ترتقي لمستوى التحديات – شعبنا بين نار الوطن وتيه المهجر – الوسائل والآليات* – “الشارع”
جورج هسدو
ب: قوة الشارع
أكثر ما يستغربه المتابع لشؤون شعبنا هو عدم إدراك أحزابنا السياسية ومؤسساتنا القومية لأهمية تحريك الشارع (الكلداني-السرياني-الأشوري) وإستغلال قوة الشعب في المطالبة السياسية بالحق القومي وحملات المدافعة عن الأهداف الوطنية.. والأكثر إستغراباً هو أن نشهد وقوف بعض الأطراف (أحياناً سياسية وأحياناً أخرى كنسية) بالضد من المحاولات الرامية لاستغلال الصوت الرافض للتعبير عن (النقمة الشعبية) من ممارسات الحكام والأجهزة الأمنية ودكتاتورية أحزاب السلطة.. لابل أن بعضهم (لا يستحي) من الإعلان عن معارضته ووقوفه بالضد من اللجوء إلى رأي الشارع في التنديد والاستنكار، مبرراً موقفه ذاك بأسخف الحجج وأتفه الأسباب من قبيل الاعتكاز على شماعة الوضع الأمني الغير مستقر أو تخويف أبناء شعبنا من ردات فعل السلطة.. علماً أن ذاك (البعض) يعلم يقيناً أن لا السلطة ولا الظرف الأمني ولا الأجهزة القمعية (ولا حتى الأنواء الجوية) استطاعت أن تقف بوجه الرأي العام في سعيه للتغيير عندما يتم أدلجته بما يخدم الصالح العام وليس للصراع من أجل المنافع الفؤية.. لكن الحقيقة ليست في عدم إيمان الأطراف المعارضة بتحريك الشارع في حملات المدافعة عن الحقوق والأهداف، بل لعدم قدرتها أو بالأحرى تخوفها من اللجوء لوسيلة فعالة كهذه والتي بالتأكيد لن تعجب السلطة ولا أزلامها ولن تصب في مصلحة من (يلهثون) خلف المناصب والكراسي!!.
وحتى أحزابنا القومية المحسوبة )بشكل أو بآخر( على التيار المعارض لسلطة الأحزاب الحاكمة في العراق فشلت في إستغلال قوة الشارع أو تحريك الرأي العام بصورة جدية، ليس بسبب صعوبة ذلك، بل لأنها غير راغبة به أصلاً ولا تريد التورط في أي مد أو هيجان شعبي قد يفقدها السيطرة على الموقف.. فقد شهدنا في حالات نادرة وعلى مستوى ضيق أكثر من محاولة (لتثوير) الشارع قامت به أحزاب ومؤسسات قومية، والتي أتت بثمارها ونجحت في إجبار السلطات على التراجع أمام الضغط الشعبي والموقف العام لعموم فعالياتنا القومية.. حيث على الأقل يمكن لنا الاستشهاد بحالة واحدة وهي عندما أصر أولياء أمور طلبة التعليم السرياني على رفض إرسال أولادهم المتخرجين من المرحلة المتوسطة لإكمال دراستهم الإعدادية باللغة الكردية، وكانوا مستعدين لخسارة مستقبلهم التعليمي مقابل التمسك بالحق القومي.. وفعلا نجح (المسعى الحزبي) بتغيير موقف سلطة الإقليم أو إلغاء مقترح وزارة التربية بجعل التعليم السرياني للمرحلتين الابتدائية والمتوسطة فقط، والذي ما كان يمكن تحقيقه بدون إلتفاف الأهالي حول القيادة السياسية ودعم قرارها.. إضافة إلى تجربة أو إثنتين دعت فيها الأحزاب القومية شعبنا للتظاهر بالضد من مواقف السلطة الرامية لإنكار الحق القومي أو لهضم الاستحقاق الشعبي، وقد كانت استجابة أبناء شعبنا لها بالمستوى المقبول رغم التهديد والوعيد والممارسات الدكتاتورية.
لكن الغريب أنه ومع كل (صفعة) يتلقاها شعبنا تسارع الأحزاب السياسية العاملة في الوطن بمطالبة فروعها وباقي الفعاليات القومية في المهجر للتظاهر والإحتجاج، في الوقت الذي (تمتنع) هي عنه في الوطن رغم أن الصفعة دائمأ ما تأتي من الداخل وليس الخارج!!.. والأغرب أن تسارع تلك الفعاليات بتلبية الطلب حتى قبل أن تستوعب ماهية المشكلة وحجم الحدث، فيأتي نشاطها غير فعال ويظهر وكأنه (تنفيذ أمر) بدلاً من كونه (تعبيراً عن موقف)، وبالتالي فأن نوعية المشاركين تنحصر في الأعضاء والمنتمين وغالباً بأعداد خجولة.. ومهما بلغ تأثير الإحتجاجت الخارجية على الجهات المعنية فلن يكون مثل ما يمكن أن يحققه التظاهر في الوطن، ناهيك عن حجم الاحتجاجات الذي لم ولن يصل أبداً إلى قوة مشاركة شعبنا في الوطن إذا ما تم التخطيط له بحرفية.. فاليوم العالم أصبح شبه قرية صغيرة بسبب وسائل التواصل وأجهزة الإعلام ويمكن تحويل أي حدث محلي إلى قضية دولية تحظى بإهتمام المجتمع الدولي دون داع أو ضرورة لنقل الفعالية للخارج، بل قد يكون ذلك أفضل بكثير من حيث رفع سقف التداعيات والتي بالتأكيد لن تكون بصالح الأنظمة الحاكمة والتي نعلم جدياً عقليتها في التعامل مع الإحتجاجات الشعبية.. لكن للحقيقة والإنصاف فأنه من اللزوم علينا أن نقر بتسارع أحزابنا القومية إلى الدعوة للإعتراض وتأكيد سياسيينا على أهمية دعم الشارع لمطالبهم وإيمانهم بفاعلية تحريك القاعدة الشعبية لتحقيق الهدف المنشود والدخول في ماراثون اللقاءات والاجتماعات الرسمية وغير الرسمية، عندما يتعلق الأمر بـ.. مقاعد الكوتا!!.
* (10-12)سلسلة مقالات تتناول جوانب رئيسية في العمل القومي والأداء السياسي (الكلداني-السرياني-الأشوري).