من أجل قضية فاعلة ترتقي لمستوى التحديات – شعبنا بين نار الوطن وتيه المهجر – “الفكرة (الصراع الرئيسي)*
جورج هَسَدو
تأسست الحركة التحررية لشعبنا وقضيته السياسية على فكرة أو صراع رئيسي، وهو أننا نعاني من هضم حقوقنا القومية والسياسية وأن علينا النضال من أجل الاعتراف بخصوصيتنا القومية من ناحية وتثبيت حقنا في المواطنة الكاملة من ناحية ثانية، وهو ما إعتبرناه يحصل في كل البلدان التي يتواجد فيها شعبنا وبالأخص العراق.. وعليه دأب (مفكروا ومنظروا ومناضلوا وناشطوا) شعبنا على إعتماد وسائل مختلفة لنيل الحق المسلوب ورفع الغبن الواقع علينا (كشعب وكقضية)، وقد كان أهمها تأسيس أحزاب سياسية مهمتها حمل راية النضال القومي للمطالبة بالحقوق السياسية والمدنية لشعبنا.. ورغم قدم المطالبات (مع بداية القرن الماضي) ورغم تعدد المرجعيات (زعامات دينية وعشائرية، أحزاب سياسية، منظمات مدنية، مؤسسات قومية) ورغم إختلاف الوسائل (مواجهة مسلحة، نضال سري، تمثيل رسمي، حضور خارجي)، مازلنا نراوح في مكاننا ومازالت حركتنا التحررية متراجعة ومازالت قضيتنا القومية خاسرة!!.. فأين الخلل يا ترى؟، هل هو بالوسائل؟ أم بالآليات؟ أم بالتمثيل السياسي؟ أم بالحراك الداخلي؟ أم بالمساعي الخارجية؟ أم بجميع هذه الأسباب وفوقها التقاعس الشعبي والروح الانهزامية التي تزايدت في السنوات القليلة الماضية بسبب تزايد شعور (الخذلان).
ورغم عمومية الصراع بين قوتين أو محورين رئيسيين هما الحاكم والمحكوم، وفي حالتنا هذه كان الصراع بين نظام سياسي (قوي) لا يلتزم الديمقراطية وبين أقلية عددية (ضعيفة) تطالب بالمساواة، فأن النزاع لم يخلو من مواجهات ثانوية بغية التخفيف من حدة التصادم.. ورغم أن المعادلة لم تكن تقبل القسمة على إثنين حيث أما أن يتمتع شعبنا بكامل حقوقه المشروعة أو أن ينصهر في بودقة الأغلبيات، إلا أن الحالة لم تبتعد بالمطلق عن إقتراحات التشاور والتوافق الرامية إلى (تليين) شدة التناقض الرئيسي.. لكن النتائج دائماً ما كانت تأتي لغير صالح قضيتنا حتى في أهدأ حالات الصراع، وغالباً ما كانت محصلة ما يجنيه شعبنا (صفر) حتى في أحسن الأحوال والظروف، وقلما كان هناك ما يحسب لنا كانجاز أو تطور نوعي حتى في أسهل مراحل التعبير عن الذات.. وإذا كانت الأنظمة الحاكمة قوية أو ضعيفة، أو كانت حالة البلد مستقرة أو قلقة، أو كانت الظروف مهيئة أو استثنائية، أو كان شعبنا في أفضل أو أسوأ حالاته، فأن قضيتنا القومية وعلى مدى عقود لم تنجح في تسجيل ولو نصر يتيم يحسب لنا كأمة عريقة تصارع للبقاء!!.
في كل فترات النضال كان هناك من يرى في المواجهة المباشرة السبيل الوحيد لنيل الحقوق بينما كان هناك من يعول على التهدئة والتفاوض مع الحاكم، وعلى طول المسيرة كان هناك (راديكاليون) لا يقبلون إلا بالحلول الجوهرية في مقابل وجود (براغماتيون) يجنحون إلى التأني والعقلانية.. وبالرغم من قسوة النتائج وسوء الواقع ومستوى التراجع السياسي إلا أنه دائماً ما كان هناك من هو مستعد للتضحية ومن هو ملتزم بالقضية ومن هو مستمر بالعمل، وبالرغم من أعداد الانتهازيين المتصاعدة إلا أن الساحة القومية لم تخلو يوماً من المبدأيين.. وبالنتيجة لم يعد من المهم من كان المحق ومن المحقوق أو من هو الصح ومن الخطأ فبالنتيجة الكل خاسر، كلنا خاسرون وكلنا محقوقون: القادة السياسيون، المرجعيات الدينية، الزعامات العشائرية وحتى الشعب الذي دفع الضريبة الأكبر لسوء تقديراته.. وعندما تصل بنا الحالة لنكون أكبر الخاسرين على مستوى (القضية والوجود والأرض والهوية) من بين باقي الأمم التي نتعايش معها، فأنه سيكون من غير المفيد بل من (المؤذي) الحديث عن من يتحمل مسؤولية ذلك وإن كانت المسؤولية مشتركة بين الجميع وبنسب متفاوتة.
اليوم قضيتنا القومية تمر بأسوأ مراحلها وشعبنا يعيش أتعس لحظاته ومن يتولى تمثيلنا السياسي أضعف من أن يدافع (حتى عن نفسه) والمواجهة أصبحت أكثر شراسة وعداوة، وما زلنا نجتر نفس الخطاب المستهلك ونعيد ذات التجارب الفاشلة.. متى سنكف عن المراهنة على (صحوة ضمير) الآخر الذي ما ينفك عن تجريدنا ليس فقط من ما نملك بل وحتى من كرامتنا الانسانية ويتاجر بآلامنا؟!، إلى متى سنعول على العامل الوطني الذي بات يحكمه أفسق وأحقر ثلة عرفها التاريخ العراقي؟!.. والسؤال الأهم يبقى، متى سنقتنع أن الحل الوحيد والأخير المتبقي لنا هو اللجوء إلى الدعم الخارجي؟!، متى سنعرف أن الأطراف الحاكمة في عموم العراق (المركز والإقليم) ليست مستعدة للتنازل ولو عن مليم واحد من ما وصلت إليه لصالح الغير؟!.. ولمن يعتقد أن الأمر لن يكون في صالح قضية شعبنا (الذي لم يعد لديه ما يخسره) في ضوء ما يجرعه في الوطن وما يعانيه في الشتات، فما عليه سوى مراجعة ذاكرته (المثقوبة) والإطلاع على ما وصل إليه أكراد العراق من حكم سياسي واستقلالية إقتصادية، والتي بالتأكيد لم تتحقق بسبب تفهم وتقبل (أشقاء الوطن) لمطالبهم!!.
* (4-12)سلسلة مقالات تتناول جوانب رئيسية في العمل القومي والأداء السياسي (الكلداني-السرياني-الأشوري).