أعلن معنا... أعلن معنا...
خواطر عامةمقالات ودراسات نقدية و بحوث

الذكرى الرابعة عشرة لرحيل الشاعر سركون بولص – هيثم بهنام بُردى

تمر اليوم الذكرى الرابعة عشرة لرحيل الشاعر العراقي الكبير سركون بولص، ومن دواعي ا[IH1] عتزازي وفخري أنني أصدرت كتابين عنه بعد الرحيل وهما على التوالي:

  1. سركون بولص عنقاء الشعر العراقي الحديث/ إعداد وتقديم– إصدار المديرية العامة للثقافة والفنون السريانية_ أربيل 2011 .
  2. سركون بولص الذي رأى/ إعداد وتقديم ومشاركة- إصدار المديرية العامة للثقافة والفنون السريانية– أربيل 2017.

ويسرني أن أورد مقدمة الكتاب الثاني…..

المقدمة

هيثم بهنام بردى

كان صباح يوم الاثنين الثاني والعشرين من شهر تشرين الأول 2007، يوماً برلينياً حزيناً على الشعر والشعراء، حيث لفظ الشاعر العراقي الكبير سركون بولص أنفاسه الأخيرة بعد صراع طويل مع المرض.

ولد سركون بولص عام 1944 بالقرب من بحيرة الحبانية في الرمادي، وعاش طفولته فيها ثم انتقل للعيش في كركوك عام 1956، وفي هذه المدينة الممهورة بالثقافة والنفط والموزائيك المتجانس من الأقوام والأثنيات المختلفة اتجهت ذائقته البكر نحو الأدب، حيث ساعدته لغته الثانية / الانكليزية، التي تعلّمها منذ نعومة اظفاره بحكم وجود شركات النفط، واشتغال أهل المدينة بها، على قراءة الأدب العالمي من منابعه، فاكتسب ثقافة عميقة جعلته يدخل فضاء الابداع الشعري والقصصي من أوسع أبوابه، إضافة إلى تمّرسه في ترجمة قصائد الشعراء الانكليز والأمريكان إلى العربية، وفي أجواء كركوك المنفتحة، ومنذ بواكير الشباب التقى مع بعض أدباء كركوك وكوّنوا جماعة أدبية عُرفت فيما بعد بجماعة كركوك(*)، هذه النخبة أثرّت بشكل إيجابي وفاعل في تأصيل وتحديث الأدب العراقي وخصوصاً بعد أن وفدوا إلى العاصمة وانصهروا في الواقع الثقافي المشتعل في مستهل الستينات بما كانت تعرف به وتغرق فيه بغداد، من صراع سياسي واقتصادي، وتبعاً لذلك كان لابد من احتدام صراع جديد هو صراع التيارات والمدارس الأدبية.

نتيجة لضنك وصعوبة العيش في بغداد، واغلاق سبل الرزق وعدم حصوله على أي عمل رسمي لانحداره الإثني، شدّ الرحال عبر رحلة صعبة قاطعاً الصحراء الغربية بسيارة عتيقة أحياناً، ومشياً على الأقدام غالباً، واستمر به المقام في بيروت عام 1967، وحال وصوله تلقفه يوسف الخال وأدونيس لما توسما فيه من نبوغ شعري، سبقته شهرته إليهما، واستولاده قصيدة نثر عربية متقدمة ومتطورة فأسندوا اليه التحرير في جريدة النهار ومجلة شعر البيروتيتين.

لم يبقَ في بيروت سوى عامين ليشد الرحال عام 1969 إلى الولايات المتحدة الامريكية، واستقر في مدينة سان فرانسيسكو، وهناك خلال فترة تنيف على العقدين وأكثر عكف على ترجمة الشعر الانكليزي إلى اللغة العربية وأصدر مجلة أدبية أسماها “دجلة”.

ومما يلاحظ في نشاط سركون الشعري، إنه تأخر في إصدار كتبه فلو دققنا تاريخ إصدار أول كتبه الشعرية “الوصول الى مدينة أين” 1984 لوجدنا أنه انتظر أكثر من ربع قرن من بدء نشاطه الأدبي الباهر لكي يكون له بكر دواوينه الشعرية، وإنه كان في الأربعين من عمره عندما أصدره، ونلاحظ أن المعادلة بين بدء نشاطه الأدبي وإصداره الأول كانت عكسية تماماً، وربما نعذره لهذا البطء سيّما إذا لاحظنا دقة انتقاءه لنصوصه الشعرية الكثيرة جداً المبثوثة في الصحف والمجلات العراقية والعربية التي تصدر في أوربا والأمريكتين، فنكون إلى جانبه تماماً في خطوته هذه.

*****

بعد رحيل سركون بولص بسنة ونيّف، كلفني الدكتور سعدي المالح مدير عام المديرية العامة للثقافة والفنون السريانية بإعداد كتاب عنه وبأقرب وقت، فعكفت مباشرة في مطالعة الحاسوب المنزلي ساعات طوال، وكنت في سباق محموم مع الدقائق والساعات والأيام والأشهر، والزمن يمضي سراعاً، وبصيرتي وباصرتي في صراع غير مسبوق مع حشية الذاكرة العنكبوتية، ألحُّ عليها بنزق طفل لجوج، وتمنحني كنوزها بحكمة شيخ عركته الحياة، حتى تجمعت لدي كم كبير من المقالات والحوارات والدراسات والقصائد لأقحاح الشعراء الذين دبجوا قصائدهم عن الراحل عقب الرحيل، فقمت بتبويب الكتاب وترتيبه وأرسلته الى سعدي المالح (الروائي والقاص العراقي الكبير)، بعد أن عنونته ب [ سركون بولص عنقاء الشعر العراقي الحديث/ ما قيل وكُتب عنه ] وصدر بعد فترة قصيرة متشابكاً في ذراعيه، من كلا الجانبين، المجموعة الكاملة لدواوين سركون بولص بجزئين، الصادرة جميعاً ضمن اصدارات المديرية العامة للثقافة والفنون السريانية – سلسلة الثقافة السريانية، ت: 20- 21- 22، عام 2011، والتي سرعان ما نفدت نظراً للطلبات الكثيرة عليها من لدن الجامعات العراقية، والمؤسسات الأكاديمية والمهنية والاتحادات، والأدباء من العراق وخارجه، وأحسب انها لو أُعيد طبعها لأكثر من مرة لنفدت أيضاً، وهذا الأمر يحسب بالفخر الفضل للمدير والمديرية.

وبعد مرور كل هذه السنين كانت رغبتي لا ترد في جمع كل ما أجده من إرث هذا النجم العراقي الباهر، فازدحم حاسوبي بكم زاخر هائل ثر مما كتب عنه: نقداً، انطباعاً، شعراً، مقالاً، حواراً…. الخ، ليقيني الخاص بأن ما تجده اليوم على الشبكة العنكبوتية قد لا تجده غداً، بفعل الخاصية التقنية والفنية لطبيعتها، وأن الكتاب الورقي سيبقى المرجع المرجّح للدارس والقارئ والمتابع والراصد والمؤرشف… الخ، تعمقت لدي الرغبة في إصدار ورقي جديد يكون متمماً للإصدار الفائت، وربما سيكون هناك في المستقبل إصدار أخر، وإصدار رابع… فجمعت ما لدي وقمت بتبويب أشبه بتبويت الكتاب السابق، دون الحوارات التي أُجريت مع سركون بولص، بعد سماعي أن دار الجمل أصدرت كتاباً يخص هذا الجانب، وأوليت جانباً لم يوله أحد من الدارسين أهميته التي يستحقها، وهو سركون بولص… القاص، باستثناء الأديب والباحث الدكتور روبين بيت شموئيل المدير العام الحالي للمديرية العامة للثقافة والفنون السريانية، بمبادرته المتفردة في محاولتين.

الأولى: عام 1998 حين أصدر في بغداد كتاباً عنوانه [ سركون بولص… حياته وأدبه ].

الثانية: عام 2009 حيين جمع قصص سركون بولص المبثوثة في صفحات الصحف والدوريات إبان ستينات القرن الماضي في مجموعة قصصية عنونها [ سركون بولص قاصاً ] وصدرت عن دار المشرق الثقافية – دهوك، وطبعت بطبعة ثانية عام 2015 وصدرت عن وزارة الثقافة العراقية.

وأقصد بهذا الباب، سركون بولص: القاص.. الذي لا يقل شأناً وسمواً وتسامياً عن سركون بولص: الشاعر…، وأفردت في كتابي حيزاً جيداً أدرجت فيه دراسات نقدية لكوكبة نيّرة من النقاد، فضلاً عن إختياري بعضاً من قصصه من كتاب بيت شموئيل الوارد ذكره، وأدرجتها بين دفتي كتابي هذا.

أعتقد أن هذا الإصدار الذي بين يديك عزيزي القارئ والدارس سيأخذ مكانه في أدراج ذاكرة المكتبة العراقية والعربية، وأكون سعيداً جداً، لو استفاد الدارس لأدب سركون بولص منه ومن الإصدار الذي سبقه.

ومن الله التوفيق.


(*) جماعة كركوك هم: القاص والروائي والشاعر فاضل العزاوي، الشاعر والقاص سركون بولص، الشاعر انور الغساني، الأب الشاعر د. يوسف سعيد، الشاعر مؤيد الراوي، الشاعر جان دمو، القاص جليل القيسي، الشاعر صلاح فائق، القاص يوسف الحيدري.


هيثم بهنام بُردى

هيثم بهنام بردى، قاص وروائي وكاتب أدب طفل من العراق، عضو المجلس المركزي والمكتب التنفيذي ونائب الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق عن الثقافة السريانية للفترة من 2011 -2013، أصدر أكثر من أربعة وثلاثين كتاباً موزعاً بين القصة القصيرة جداً والقصة القصيرة والرواية والرواية القصيرة والنقد وأدب الطفل، صدر عن أدبه إثنا عشر كتاباً، تناولت أدبه أربع رسائل ماجستير وأطروحة دكتوراه داخل وخارج العراق، شارك في مؤتمرات ومهرجانات وملتقيات عديدة داخل وخارج العراق، كتب عن أدبة العشرات من النقاد العراقيين والعرب، ورد اسمه في موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين وكذلك في موسوعة أعلام الموصل، حائز على العديد من الجوائز العراقية والعربية منها جائزة كتارا للرواية، ترجمت قصصه إلى العديد من اللغات الحية.
زر الذهاب إلى الأعلى

Sign In

Register

Reset Password

Please enter your username or email address, you will receive a link to create a new password via email.