تموت الشعوب اذا ما مات لديها حس الانتماء الى تربة الوطن – للكاتب والشاعر عادل دنو
نظم مركز يونان هوزايا للبحوث والدراسات المستقبلية نشاطا اخر نهاية شهر اب يوم السبت في 31 تموز 2021
عن طريق الانترنت من خلال برنامج ( الزوم) . حيث القى العلاّمة بنيامين حداد من العراق محاضرة بعنوان الانتماء الى تربة الوطن. مؤكدا ان شعبنا عاش الاف السنوات في ظل صراعات قوى عظمى حرمته من الاستقرار الآمن وساهمت في اماتة احساسه الانتماء الى تربة وطن ابائه واجداده.
بدأ العلامة محاضرته بتقديم الشكر لتنظيم هذا النشاط واستضافته وعبر عن فرحته بلقاء اصدقاء ومعارف قديمة لها هموم مشتركة. وقال في مطلع المحاضرة ان الانتماء الى تربة الوطن تقرره حالة الاستقرار الامن .
وسرد تاريخيا ما حدث لشعب ابناء بلاد النهرين الاصلاء من عدم تنعمه بالاستقرار في ارضه التاريخية وتحوله الى شعب مهاجر منذ ستة وعشرين قرنا. الشي ء الذي اضعف احساس الانتماء الى تربة وطن الاباء.
وخلص الى انه لم يتبقى اليوم ممن يعيش في الوطن سوى عدد ضئيل من ابناء الشعب الأصيل، ولكن هاجس الانسلاخ عن تربة وطن ابائهم يسيطر عليهم.
وتجدر الاشارة الى ان السيد الياس متي قدم للمحاضر واشار الى بعض سيرته المعروفة لدى الكثيرين.
وفيما يلي بعض تفاصيل المحاضرة كما ارسلها لنا المحاضر الكريم.
تموت الشعوب اذا ما مات فيها حس الانتماء الى تربة الوطن
قوة او حرارة مشاعر واحاسيس الانتماء الى تربة الوطن، وطن الاباء والاجداد ، والانشداد اليه، والتشبث به، تقرره حالة ( الاستقرار الآمن) فوق تربة ارض الوطن الامن.
ونحن ابناء بلاد النهرين الاصلاء، لم تتح لنا الايام ان ننعم بالاستقرار على ارضنا التاريخية، فلقد كنا ولا زلنا شعبا مهاجرا.. نحمل الوطن حقيبة ونهاجر من صقع الى صقع.. كنا ولا زلنا في حالة هجرة مستديمة قاتلة، منذ فترة تربو على ستة وعشرين قرنا.. منذ ان سقطت الحضارة في بلاد النهرين.. السقطة المميتة, سقطة نينوى عام 612 ق.م. اثر تحالفنا المشؤوم مع غازين ميديين غرباء. ومن ثم سقطة بابل عام 539 ق.م. وعلى يد الغرباء الميديين ذاتهم.
السقوط الاعظم ذاك كان السبب في تشتتنا وتشردنا وتغربنا مزقا وشراذم.. اقتلعنا من جذورنا والقي بنا الى شطآن مجهولة غريبة، فاغرقت الامواج العاتية الجزء الاعطم منا،…
هذا التشتت والتشرد والتغرب اضعف واحيانا قتل فينا مشاعر واحاسيس الانتماء الى تربة وطن الاباء.. عشنا غرباء رعايا نرزح تحت وطأة وتحت رحمة الامبراطوريتين المتصارعتين، الرومانية والفارسية. اللتين اتخذتا من ارضنا ساحة معركة ، فغدونا كبش الفداء، سحقنا ودكت عظامنا تحت سنابك خيولهم، وعلى مر الحقب الزمنية سالت دماؤنا انهارا.
وحين جاءت المسيحية ، بادرنا الى اعتناقها باندفاع كبير، املا في ان نقيم لنا مملكة روحية، ان نبني مملكتنا في السماء كبديل لامجادنا التاريخية المفقودة، وكبديل لارضنا التي سلخنا عنها قسرا. واقمنا مؤسسة كنسية مشرقية،مرجعية روحية تجمعنا وتوحدما وتسند ظهورنا.
ولكن لم يمر سوى قرنان او ثلاثة، حتى شب لهيب الصراعات العقائدية اللاهوتية السفسطية المفتعلة، وعصفت هوج رياج المذهبية المقيتة، فمزقت الكنيسة الى كنائس.. وغدا لكل قبيل منا ( مسيحه) الخاص.. وغدا لكل كنيسة من كنائسنا لاهوتها المميز،..
والى اليوم لا زالت تلك الصراعات على اشدها، تنخر في جسم شعبنا المسكين، وتقتل في نفوس ابنائه مشاعر واحاسيس الانتماء الى تربة الاباء.
وهو ما عجل في دفعه الى حافة هاوية التغرب والهجرة.
واليوم لم يبق منا ممن يعيش داخل الوطن الام سوى عدد ضئيل لا يتجاوز تعدادهم عشر او اقل مما كنا عليه قبل عام 2003 والذي لا يزيد عدده الـ (250) الف انسان.
وهؤلاء ايضا ، القسم الاعظم منهم قد حزموا حقائبهم، واعدوا عدتهم بانتظار الفرصة المواتية للانسلاخ عن تربة ابائهم… بالرغم من انهم – والحق يجب أن يقال- انهم يعيشون فوق ارضهم التاريخية في شمال الوطن وخاصة ضمن اقليم كردستان، في امان واستقرار ويمارسون اعمالهم في قراهم وبلداتهم بشكل لم يسبق لهم ان مارسوه طوال الحقب الزمنية الماضية.
ومع ذلك ، فهاجس الانسلاخ عن تربة وطن آبائهم ، يسيطر عليهم وان الكثير منهم كما ذكرنا ينتظر الفرصة المناسبة للهجرة والتغرب…
المصدر : عنكاوا دوت كوم
الصور من جوجل عدة مصادر
محاضرة للعلامة بنيامين حداد :” الانتماء الى تربة الوطن” (ankawa.com)