تعايشَ في هذه الملوية الكثيرُ من الأئمة والعلماء على اختلاف مللهم ومذاهبهم
شحادة بشيرأرسل بريدا إلكترونيا19/09/20200397 4 دقائق
موقع ملوية سامراء:-
شيد المسجد الجامع ذا المئذنة الملوية بمدينة سامراء، التي تقع في محافظة صلاح الدين على الضفة الشرقية لنهر دجلة، تشتهر المدينة باحتوائها على العديد من المعالم الأثرية التي تشكل تاريخ العراق وتعبر عن حضارته العريقة، وتعد ملوية سامراء واحدة من أهم تلك المعالم المعمارية الأثرية.
بناء المئذنة الملوية:-
أمر الخليفة العباسي جعفر المتوكل على الله سنة 237هـ ببناء مسجد كبير يكون له صدى بين المسلمين، وبالفعل تم بناء المسجد الجامع في سامراء.
كلَّف الخليفة المتوكل على الله المهندس المعماري الكلداني دليل يعقوب بتصميم وبناء مئذنة المسجد الجامع، وبناءً على ذلك بُنيَت مئذنة سامراء بشكل لولبي حلزوني في المنطقة الشمالية الغربية للمسجد، وأصبحت بذلك أكبر مئذنة في العالم الإسلامي، وهي من الطابوق الفخاري الذي يتميز به العراق، وقد بُنيَت الملوية محاكاة لطراز زقورات العراق القديمة.
تقليد ملوية سامراء:-
على غرار هذه الملوية؛ أمر حاكم مصر أحمد بن طولون ببناء مئذنة جامعه، وفي العصر الحديث، تم تشييد مبنة مماثلٍ للملوية وذلك في قلب العاصمة القطرية الدوحة.
أبعاد ملوية سامراء وبعض الإحصائيات المتعلقة بها:-
- مساحة المسجد الجامع 156 × 200م.
- تبتعد المئذنة الملوية 27.25 متراً من الجدار الشمالي للمسجد، وعلى محوره الأوسط تماماً، وتتصل بالجدار الشمالي للمسجد من خلال طريق طوله 25 متراً، وعرضه 12 متراً.
- ارتفاع الملوية 52 متراً.
- تقوم الملوية على قاعدة مربعة مؤلفة من قسمين مربعين:
الأول: ارتفاعه 3 أمتار، وطول ضلعه 33 متراً.
الثاني: ارتفاعه 120 سم، وضلعه أصغر من ضلع المربع الأول. - البناء الأسطواني للملوية يتكون من 5 طبقات، هذه الطبقات تتناقص أحجامها بشكل تنازلي، وهذا البناء الأسطواني محاط بدرج لولبي حلزوني ارتفاعه تقريباً 52 متراً، ملتف عكس اتجاه عقارب الساعة، وهي بهذه الخاصية تبدو وكأنها في عناد مع الزمن.
- عدد درجات هذا السلم 399 درجة، وفي أعلى الملوية تم بناء طبقة دائرية يطلق عليها اسم (الجاون) مؤلفة من 7 نوافذ، ومن هذه الطبقة يرفع المؤذن الأذان عند وقت الصلاة.
الصعود إلى المئذنة الملوية:-
الطريق الحلزوني واسع جداً، يمكن أن تصعد إليه الناس جماعات جماعات، وكأنهم يسيرون في شوارع المدن الشاسعة، ويمكن الصعود إلى ال بركوب الخيل والبغال، وغير ذلك، وكثيراً ما يخشى البعض الصعود إلى قمتها؛ لما قد يصيبهم من الإعياء أو الخوف؛ لأن حجم الشخص يبدو صغيراً من بعيد عندما يصعد قمتها.
الأضرار التي تعرضت لها الملوية:-
ما تزال ملوية سامراء شامخة إلى هذه اللحظة، ولكن في قمتها تهشُّم واضح يراه الناس، وهذا التهشُّم ناتج عن تفجير قام به مجهولون سنة 2006م، مما جعل من يصعد إلى قمتها عرضةً للسقوط.
ملوية سامراء نموذج رائع للتعايش:-
تعايشَ في جامع ملوية سامراء الكثيرُ من الأئمة والعلماء على اختلاف مللهم ومذاهبهم؛ ومن أشهره هؤلاء الأئمة:
- أحمد بن حنبل.
- علي الهادي.
- الحسن العسكري.
“كانت الأتراك تؤذِي العوام بمدينة السَّلام بجريها بالخيول في الأسواق، وما ينالُ الضُعفاء والصِّبيان من ذلك، فكانَ أهل بغداد ربَّمَا ثاروا ببعضهم فقتلوه عند صدمهِ لامرأةٍ أو شيخٍ كبيرٍ، أو صبيٍّ أو ضَرير؛ فعَزَمَ المُعتصم على النقلة معهم.. فانتَهَى إلى موضِع سامرَّا، فأحضَرَ الفَعَلَة والصُّناع وأهلُّ المِهَن من سائر الأمصار، ونُقِلَ إليها من سائر البَقَاع أنواع الغُرُوس والأشجار، فَجَعَلَ للأتراكِ مواضِع متميِّزَة، وجاوَرَهُم بالفراغِنةَ والأشروسنية.. وأقطَعَ أشْناس التُّركي وأصحابه من الأتراك الموضع المعروف بكرخ سامرَّا.. إلخ”.
— المسعودي يتحدث عن أسباب انتقال المعتصم من بغداد إلى سامرَّاء.
سامراء وفقاً لشهادات نقلها الحموي:-
تحدَّث عدد من الجغرافيين والرحَّالة وعامة وخاصة العرب والمسلمين عن مدينة سامراء وتاريخها وملويتها الشهيرة، لتكون شهاداتهم المحفوظة بمثابة وصف أكثر دقة عن المكان مقارنة بواقعه اليوم.
ففي معجم البلدان لياقوت الحموي؛ قال الأديب والجغرافي الشهير نقلاً عن غيره ما يلي:-
قال أبو سعد: سامرَّاء بلد على دجلة فوق بغداد بثلاثين فرسخاً يقال لها سُرَّ من رأى فخففها الناس وقالوا سامرَّاء.
قال حمزة: كانت سامراء مدينة عتيقة من مدن الفرس، تُحمَل لها الإتاوة التي كانت موظقة لملك الفرس على ملك الروم، ودليل ذلك قائمُ في اسم المدينة لأن (سا) اسم الإتاوة، و مُرّة اسم العدد، والمعنى أنه مكان قبض عدد جزية الروم.
الارتباط بالنبي نوح!
قال الشعبي: ” وكان لسام بن نوح له جَمال ورُواء ومنظر، وكان يصيف بالقرية التي ابتناها نوح عليه السلام عند خروجه من السفينة ببازَبدى من أرض جوخى، وكان ممره من أرض جوخى إلى بازبدى على شاطئ دجلة من الجانب الشرقي، ويُسمّى ذلك المكان الآن سام راه يعني طريق سام”.
قال إبراهيم الجنيدي: سمعتهم يقولون: “إن سامراء بناها سام بن نوح عليه السلام، ودعا أن لا يُصيب أهلها سوء، فأراد السفاح (أبو العباس) أن يبنيها؛ فبنى مدينة الأنبار بحذائها، وأراد المنصور بعدما أسس بغداد بناءها، وسمع في الرواية ببركة هذه المدينة، فابتدأ بالبناء في البردان ثم بدا له وبنى بغداد، وأراد الرشيد (هارون) أيضاً بناءها فبنى بحذائها قصراً هو بإزاء أثر عظيم قديم كان للأكاسرة ثم بناها المعتصم ونزلها سنة 221”.
قال أهل السير: “إن جيوش المعتصم كثروا حتى بلغ عدد مماليكه من الأتراك سبعين ألفاً، فمدوا أيديهم إلى حرم الناس، وسعوا فيها بالفساد، فاجتمع العامة ووقفوا للمعتصم، وقالوا: يا أمير المؤمنين، ما شيء أحبُّ إلينا من مجاورتك لأنكَ الإمام والحامي للدين، وقد أفرط علينا أمر غلمانك وعَّنا أذاهم، فإما منعتهم عنَّا أو نقلتهم عنَّا،،… وساق من فوره حتى نزل سامرّاء وبنى بها داراً وأمر عسكره بمثل ذلك، فعمَّر الناس حول قصره حتى صارت أعظم بلاد الله ، وبنى مسجداً جامعاً في طرف الأسواق”.
ذكر محمد بن أحمد البشّاري نكتة حسنة فيها قال: ” لما عُمرت سامراء وكمُلت واتسق خيرها واحتفلت؛ سُمّيت “سُرور من رأى، ثم أُختصرت فقيل سُرَّ من رأى، فلمَّا خربت وتشوهَّت خلقتها واستوحشت سُميت ساء من رأى، ثم اُختصرت فقيل: سامراء”… انتهت الاقتباسات من معجم البلدان للحموي المتوفى سنة 1229.
المصادر:
- عمارة وتخطيط مدينة سامراء – حسين علي هادي (16 و22).
- ياقوت الحموي، معجم البلدان.
- ظهر الإسلام، أحمد أمين.
- https://www.thebaghdadpost.com/ar/Story/163827
الخبر منقول عن تاريخ دوت كوم
