من أجل قضية فاعلة ترتقي لمستوى التحديات – شعبنا بين نار الوطن وتيه المهجر – الوسائل والآليات* – “التمثيل السياسي”
جورج هسدو
ثانياً: الآليات
أ: التمثيل السياسي
أصبح شعبنا يتمتع بالتمثيل السياسي ويصبح له نواب في الهيئة التشريعية على مستوى الوطن (العراق) بداية تسعينيات القرن الماضي، حيث إستطاع من خلال المشاركة في الإنتخابات النيابية الخاصة باقليم كردستان العراق عام 1992 أن يوصل خمسة نواب إلى المجلس الوطني الكردستاني.. ورغم أن المقاعد الخمسة كانت مخصصة لشعبنا وفق نظام الكوتا أو المقاعد المحجوزة سلفاً، إلا أن الأمر لم يخلو من المنافسة من خارج البيت القومي، فقد دخل الحزبين الكرديين الرئيسيين على خط المنافسة وإستطاع الحزب الديمقراطي الكردستاني من (التسلبط) على مقعد واحد.. ولسنوات إستطاعت الحركة الديمقراطية الأشورية بمقاعدها الأربعة (ونادراً بالتشاور مع صاحب المقعد الخامس) من تثبيت بعض المطالب القومية وتحقيقها ميدانياً، والتي أهمها كان الإقرار بالتعليم السرياني كدراسة رسمية في الإقليم للمستويين الإبتدائي والمتوسط.. وبسبب قلة الحنكة السياسية وتحديداً ما يخص التمثيل البرلماني والتنافس الحزبي على مستوى مؤسسات الدولة، إستطاعت الأطراف (الرافضة) لحقوق شعبنا القومية من الإلتفاف على بعض المقررات ودفع ممثلينا السياسيين للقبول بها.. وبعد أن تيقنت المرجعية السياسية الكردية (وبعدها الشيعية) من أهمية الصوت البرلماني للأقليات وبالأخص شعبنا (الكلداني-السرياني-الأشوري) عملت حد الإستقتال على مصادرة التمثيل القومي من خلال إيصال أشخاص موالين لها إلى السلطة التشريعية ومن ثم السلطة التنفيذية والتي قد تكون أهم أحياناً لما لها من تأثير على الأرض وبين الجماهير.
بعد عام 2003 إنقسم التمثيل السياسي لشعبنا بين بغداد وأربيل، فتم إعتماد نفس آلية الكوتا في الدورة الانتخابية الثانية لمجلس النواب العراقي 2010، ومنذ ذلك الحين ونحن لدينا خمسة نواب منتخبين يمثلون شعبنا في مجلس النواب العراقي وخمسة في برلمان إقليم كردستان العراق.. وبغض النظر عن من حقق الفوز إن بأصوات شعبنا أو من خارجه، فأن الأداء وعلى طول الخط لم يكن بمستوى التحديات، لا بل أحياناً كان أداء النواب (بالضد) من طموحات شعبنا القومية وتطلعاته بالتمتع بحقوقه الوطنية غير منقوصة.. ورغم يقيني (وجميع أبناء شعبنا) بوجود عدم مقبولية ومعارضة لمطالبنا الشرعية من قبل الكثير من ممثلي باقي المكونات مدفوعين من أحزابهم وأيدلوجياتهم الدينية والقومية، إلا أن السؤال يبقى، ماذا حقق ممثلونا وعلى مدى عشرات السنين لشعبنا؟!.. وما عزز من تراجع الدعم الجماهيري لمرشحي أحزابنا القومية وأثر سلباً على إيمانهم بالتمثيل السياسي هو تحول الكرسي البرلماني إلى غاية لتحقيق المكاسب المادية والمكانة الاجتماعية المرموقة في ظل خلو الساحة القومية من الأداء السياسي الناضج.. والإكتفاء ببعض الحالات التي تدخل في إطار الظواهر الصوتية والجعجعة الإعلامية والمزايدات الحزبية، والتي كلها لا تقدم ولا تؤخر شيئاً على أرض الواقع المتردي الذي يعيشه شعبنا، والكارثة هي في إصرار تلك (النماذج) على إعادة وتكرار نفس النهج الخاسر لعقود وعقود!!.
أما في الانتخابات البرلمانية الأخيرة فقد تعرضت مسألة تمثيل شعبنا في مجلس النواب العراقي إلى أكبر خسارة يشهدها منذ بدأ سباق المقاعد النيابية، فقد خسرت جميع أحزابنا القومية المنافسة بينما إكتفت أخرى بشرف الإنسحاب وحفظ ماء الوجه.. وهذا لم يكن بغريب عن أغلبنا وخاصة المطلعين على كامل المشهد السياسي في العراق، حيث خسارة التمثيل القومي الحقيقي بدأت منذ زمن بعيد، وتطور الأمر ليصل إلى الحد الذي باتت جميع الأطراف السياسية (شيعية، كردية، سنية وحتى اليسارية) تطمع بمقاعد شعبنا.. وبنفس الدرجة التي نؤكد فيها أن سبب الخسارة (المادي) كان إلتفاف الأطراف الأخرى على القانون الانتخابي عن طريق ضخ أصوات انتخابية من خارج شعبنا، نؤكد تحمل أحزابنا القومية سبب الخسارة (المعنوي).. فعندما لا تكون بمستوى المنافسة، أو عندما لا تثق بشرعية المنافسة، أو عندما لا تستطيع تحمل ضريبة المنافسة، أو عندما تفشل أكثر من مرة في المنافسة، عليك ببساطة أن تكف عن (التبرير الساذج) وتترك المنافسة على السلطة وتتحول لمعارض لها ومؤيد لحقك الشرعي، لعل وعسى……!!.
* (9-12)سلسلة مقالات تتناول جوانب رئيسية في العمل القومي والأداء السياسي (الكلداني-السرياني-الأشوري).