أعلن معنا... أعلن معنا...
مقالاتمقالات ودراسات نقدية و بحوث

من أجل قضية فاعلة ترتقي لمستوى التحديات – شعبنا بين نار الوطن وتيه المهجر – الوسائل والآليات* – “مؤسسات المجتمع المدني”

جورج هسدو

[email protected]

د: مؤسسات المجتمع المدني

لن نكون طوباويين إذا قلنا أن على شعبنا اليوم إذا أراد تحقيق تغيير إيجابي وتقدم نوعي لصالح قضيته القومية أن يدعم مؤسسات المجتمع المدني ويعمل على تقويتها قدر ما يستطيع، فالسياسة اليوم أصبحت علم يؤثر ويتأثر بكل مناحي الحياة وأهمها المجتمع.. ولأن شعبنا لا يملك مرجعية سياسية موحدة بسبب (تعجرف) الساسة، ولا زعامة كنسية متفقة بسبب (أنانية) رجال الدين، لذا فلن يكون من الضعف أو العيب أن يلجأ إلى المؤسسات غير الحكومية لتحسين واقعه الاجتماعي وبالتالي مكانته القومية في الوطن.. شخصياً أصبحت (منذ زمن) أعول على منظمات المجتمع المدني أكثر من الأحزاب والكنيسة في الحفاظ على وجود وإستمرارية شعبنا، خاصة وأننا نملك كماً لا بأس به من المؤسسات القومية ومنظمات المجتمع المدني التي باستطاعتها إدارة حملات مدافعة على المستويين الوطني والخارجي.. إلى جانب (التمايز النوعي) وإختلاف مجالات العمل المؤسساتي، فهناك منظمات تعنى بالتنمية البشرية وأخرى بالتطوير المجتمعي ومنها ما يتولى الجانب الخيري وتقديم المساعدات، كما أن هناك مراكز ثقافية واتحادات شبابية وثالثة لشؤون المرأة، والأهم أن لدينا مؤسسات للتخطيط والدراسات الميدانية.

لكن كل هذا التنوع والتعدد يعيبه جملة من الصعوبات التي تؤثر سلباً على الأداء المدني الخاص بشعبنا، كما يواجه العمل المؤسساتي معوقات (فكرية وإدارية) تشل حركته وتجعله يراوح مكانه وأحيانأ حتى تشده إلى الخلف، فتتحول المنظمة المدنية إلى مجرد جسد بلا روح.. إضافة إلى أن بعضها يرزح تحت ضغط الرؤية الأحادية للمؤسسين إن كانوا أفراداً أو كيانات، وهو ما يجعلها متقوقعة على ذاتها وغير منفتحة، إلى جانب احتكار نشاطها من قبل الممولين وغلق باب الخلق والاجتهاد بوجه الأعضاء إلا ما ندر وفي حدود التوجه الأيدلوجي للممولين.. كما أن (أغلب) منظمات المجتمع المدني الخاصة بشعبنا تتعرض إلى الاحتكار الإداري بحيث يسيطر عليها نفر أو إثنين (وأحياناً حتى من نفس العائلة)، كما أنها تعاني من قلة الكفاءات الأكاديمية والقدرات البشرية، وهو الأمر الذي ينعكس سلباً على أداء المؤسسة.. لكن الأسوأ هو أن جميعها (تقريباً) تفتقر إلى الإستقلالية، فهي إما حزبية أو محزّبة، فكل (ما يملكه شعبنا) اليوم من منظمات غير حكومية أو مؤسسات مجتمع مدني تدور في فلك الأحزاب السياسية وتتبعها بشكل أو بآخر، فهي إما مسيطر عليها من الكادر الحزبي كلياً أو أن القيادة الحزبية على علاقة وطيدة مع مجلس الإدارة وحاصلة على ولائه المطلق!!.

وما يؤسف له أن تصاب منظمات المجتمع المدني بداء السياسة ويتحلى رؤساؤها بأخلاق الساسة، فاليوم بتنا نرى العديد من المؤسسات المدنية تحذو حذو الأحزاب السياسية في التشبث بالسلطة والسعي لجني مكاسب مادية ومعنوية على حساب الصالح العام.. لابل أن بعض إداراتها (أو بالأصح رئاساتها) دخلوا على خط المنافسة مع السياسيين وترشحوا للانتخابات النيابية إن كان في المركز أو في الإقليم، والأتفه من كل ذلك أن يسعى رئيس منظمة مجتمع مدني أن يكون موظفاً عند السلطة!!.. فإذا كانت المنظمة المدنية تشبه الحزب السياسي بالفكر والأيدلوجيا، وإذا كانت مجالس إدارات المؤسسات القومية تجاري السياسيين في رغباتهم، وإذا كان رئيس منظمة المجتمع المدني ينافس القيادي الحزبي على التمثيل السياسي في البرلمان، وإذا وصلت (الوقاحة) ببعضهم للقبول بمنصب رسمي أو مهمة حكومية في الوقت الذي تحمل مؤسسته عنوان (منظمة غير حكومية)، فعن أي مجتمع مدني نتحدث؟!.. ورغم أن جانب من العمل السياسي يرتبط بالنشاطات الاجتماعية ذات الطابع المدني، ورغم أن جزء من العمل المدني يندرج في خانة الأداء السياسي، إلا أن الفرق بين الأحزاب السياسية والمنظمات المدنية شاسع وكبير خصوصاً من ناحية البرامج والأهداف.. فإذا كان من الصعب على منظمات المجتمع المدني أن تلتزم بمبادئها الدستورية وأن تضطلع بدورها المسؤول تجاه قضايا شعبنا الوطنية والقومية، فعليها أن تحترم نفسها وتعلن تحولها إلى حزب سياسي وتلحق بالركب (اللاهث) خلف الإمتيازات والمنافع السلطوية.

*  (8-12)سلسلة مقالات تتناول جوانب رئيسية في العمل القومي والأداء السياسي (الكلداني-السرياني-الأشوري).

جورج هَسَدو

كاتب وصحفي أدار أكثر من مؤسسة إعلامية في الوطن. ناشط في مجال حقوق الأقليات وله العشرات من المقالات في الشأن السياسي العراقي وما يتعلق بالجانب القومي لشعبنا (الكلداني-السرياني-الأشوري).
زر الذهاب إلى الأعلى

Sign In

Register

Reset Password

Please enter your username or email address, you will receive a link to create a new password via email.