من أجل قضية فاعلة ترتقي لمستوى التحديات شعبنا بين نار الوطن وتيه المهجر – الوسائل والآليات * – “الإعلام”
“الإعلام”
جورج هسدو
ج: الإعلام
يعتبر الإعلام عند كل شعوب العالم من (أهم وأخطر وأسرع وأنجح) الوسائل التي يمكن تبنيها للترويج والدفاع عن الفكرة وتنوير المجتمع، إلا عندنا فنحن نتعامل مع الإعلام كحالة مفروضة علينا تحملها أو تجاهلها وتلافيها وإذا أمكن تجييرها لدعايتنا الخاصة.. ورغم أننا بتنا نملك كماً لابأس به من الوسائط الإعلامية (المرئية والمسموعة والمقروءة)، ورغم أننا أصبحنا نمتلك ونستخدم مختلف منصات التواصل الإجتماعي، ورغم تحول (أغلبنا) إلى صحفيين وإعلاميين وكتّاب، إلا أن إعلامنا القومي ما زال يراوح مكانه.. فاليوم جميع أحزابنا السياسية أصبحت تمتلك وسائل إعلامية متعددة، وجميع مؤسساتنا القومية لديها منشوراتها الخاصة، وجميع كنائسنا تدير منصات إعلامية وصحفية، وجميع منظماتنا المدنية تستخدم الإعلام كأحد الوسائط المعبرة.. لكن في ذات الوقت جميع أحزابنا ومؤسساتنا وكنائسنا ومنظماتنا وحتى (تجاربنا الشخصية) يكاد تأثيرها يكون صفراً على المتلقي، ولا تنجح في إيصال رسالتها الإعلامية أو الغاية منها إلى المعنيين والذين هنا هم أبناء شعبنا وبالأخص فئاته المتعلمة.. بحيث أصبح إعلامنا القومي أو إعلام شعبنا بمنظوره العام مجرد (جعجعات كلامية ولغو فارغ)، فخطابنا القومي اليوم هو خطاب (معاق) ورسالتنا القومية اليوم هي رسالة (مشوهة) وصوتنا القومي اليوم هو صوت (نشاز) والسبب هو أن وسائلنا الإعلامية اليوم هي وسائل (مهزوزة) وغير فعالة!!.
وإذا أعطينا للحزب السياسي الحق في التركيز على الدعاية الحزبية والترويج لنشاطات أعضاء القيادة (والتي أغلبها ليست مهمة حتى للكادر التنظيمي)، وإذا غفرنا للإعلام الكنسي إبتعاده عن قضايا الساعة وبالأخص ما يتعلق منها بحاضر ومستقبل شعبنا الملموس، فكيف سنستطيع غض الطرف عن (كوارث) الإعلام المستقل!!.. ورغم تحفظي على عبارة (إعلام مستقل)، حيث أن شعبنا اليوم يمتلك نوعين من الإعلام، إعلام تابع (حزب، مؤسسة، كنيسة) وإعلام يدور في فلك طروحاتهم، إلا أنني لن أستطيع تجاهل من يطرح نفسه على أنه إعلام غير تابع لأي من تلك الأطراف.. لذا فليس من العلمية أو الإنصاف التعامل مع كل الإعلام القومي بمختلف تفرعاته على أنه إعلام يمتلك (نفس مساحة التعبير) وينطلق من ذات زاوية الرؤية، وبالأخص تلك الوسائل التي تتخذ من المهجر مستقراً لها أو التي تم تأسيسها على يد أشخاص مستقلين حزبياً.. وحتى مساحة الإعلام الرسمي (الصغيرة) التي أفردتها الحكومة العراقية وقبلها حكومة الإقليم لشعبنا لم تسلم من تأثير التفكير النمطي والقوالب الجاهزة التي أسس لها ومارسها (حد التخمة) الإعلام التقليدي وبالأخص الحزبي منه.. إلى جانب معاناة إعلامنا الرسمي من (ركاكة) الخطاب وضعف المادة الإعلامية وندرة تأثيرها على المتلقي، ناهيك عن (الإملاءات السياسية) التي يتم فرضها من قبل الأحزاب الحاكمة والتي أغلبها لا تصب في مصلحة شعبنا ولا تخص قضيته القومية.
وبسبب إفتقاد التنافس الإعلامي بين مؤسساتنا ووسائلنا الإعلامية من ناحية المحتوى وخلوها من عناصر الجذب والسبق الصحفي، فأن مؤسسات شعبنا الإعلامية لجأت إلى نوع آخر من المنافسة المتخلفة والتي يمكن أن نسميها (بالمنافسة التلكؤية).. حيث يتحول واجب المؤسسة المهني من التركيز على أهدافها وبرامجها ورسالتها الإعلامية، إلى السعي للطعن بمصداقية المؤسسة المنافسة وطروحاتها، وأحياناً قد يتطور الأمر ليصل حتى إلى حد وضع العصي في عجلاتها ومحاربتها ميدانياً.. أما التنافس الخارجي أو التسابق مع وسائل الإعلام من خارج إطارنا القومي أو حتى مجاراة إعلام الأخرين فهذا إما أنه صعب وفوق طاقة وقدرة إعلامنا القومي أو هو غير وارد أصلاً في أجندات مؤسساتنا الإعلامية.. لذا فبجرد سريع لوسائلنا ومؤسساتنا الإعلامية إن في الوطن أو في دول المهجر سنتوصل إلى نتيجة (مخيبة) مفادها، إن الإعلام القومي بدلاً من أن يكون الصوت المعبر عن قضايا وآلام وتطلعات شعبنا والتعريف بها للشعوب التي نتعايش معها (في الداخل والخارج)، فأنه وبسبب (سطحية) أصحابه أصبح مجرد (وسيلة دعائية) وتحولت رسالته إلى نشرة داخلية (للأعضاء)!!.
* (7-12)سلسلة مقالات تتناول جوانب رئيسية في العمل القومي والأداء السياسي (الكلداني-السرياني-الأشوري).