أعلن معنا... أعلن معنا...
مقالاتمقالات ودراسات نقدية و بحوث

من أجل قضية فاعلة ترتقي لمستوى التحديات – شعبنا بين نار الوطن وتيه المهجر – “الوسائل والآليات” – جورج هَسَدو

“الأحزاب”

جورج هسدو

[email protected]

كأي أمة تحاول تحقيق ذاتها القومية وتثبيت خصوصياتها الثقافية وممارسة عقيدتها السياسية في محيط معترض على التنوع وبيئة رافضة لتقبل المختلف، لجأ شعبنا إلى تشكيل وسائل وتبني آليات عمل الغاية الرئيسة منها تغيير الواقع السيء إلى حالة أفضل.. وحيث أن شعبنا (إنطلاقاً من إيمانه المسيحي وخلفيته الحضارية) لم يؤمن بالعنف كوسيلة لتحقيق الغاية ولا تبنى الأذى كآلية للوصول إلى الهدف، فعمد إلى إنشاء منظمات مدنية في مقدمتها كان تأسيس أحزاب سياسية إضافة إلى ما كان يمتلك من مؤسسات عقائدية (كالكنيسة).. وقد تبنت هذه المؤسسات آليات عمل حديثة وفاعلة على المستويين المحلي والخارجي كما ربطت بين المسائل المترابطة في الشأنين القومي والوطني حيث أهمها كان الإعلام، إلى جانب استثمار الجهد الشعبي العام كتحريك الشارع عند المواجهات المفصلية.. إلا أن هذا كله لم يشفع لشعبنا المستهدف (عرقياً ودينياً) ولم يحفظ كرامته الانسانية ولا حقوقه القومية، كما أنه لم ينجح في تحقيق المواطنة الكاملة ولا تعزيز مفاهيم التعايش السلمي المشترك مع باقي مكونات الشعب العراقي إلا ما ندر (وفُرض قسراً) من قبل النظام الحاكم.. ولتعريف الوسائل الرئيسية وأهم آليات العمل التي يتبناها شعبنا في إدارة صراعه السياسي ولتسهيل فهم ومعرفة أساسيات العمل القومي التي يلتزمها شعبنا ومدى فاعليتها من عدمها، فأننا سنقوم بتقسيم هذه الوسائل وتلك الآليات إلى مرتكزات أساسية هي:

أولاً: الوسائل

أ: الأحزاب

إنقسمت أحزاب شعبنا السياسية والتي بدأت بالتأسيس بعد إنتكاسة شعبنا في سميل 1933 وما تعرض له من مجزرة دموية بحق الإنسان والأرض، إنقسمت إلى أحزاب تأسست في المهجر وأخرى تأسست في الوطن ومنها من تناوب نشاطه التنظيمي بين المهجر والوطن.. ورغم إتفاقها على مبدأ التناقض الرئيسي العام من خلال إتفاقها على مظلومية شعبنا وضرورة الإرتقاء بواقعه الشعبي والنضال من أجل تحقيق الأهداف المشروعة، إلا أنها إختلفت (حد التصادم) على تفاصيل المشروع القومي وأولوياته.. ففي الوقت الذي عمدت بعض أحزاب شعبنا السياسية إلى تبني شعارات عريضة وطروحات خيالية لا تتناسب مع الواقع المتراجع، لجأت أخرى إلى نظريات توافقية وراهنت على العامل الوطني في تخفيض سقف المطالب إلى ما يمكن (وهبه) فقط.. وبين هذه وتلك تبنت بعض أحزاب شعبنا الواقعية وتدرجت بسلّم النضال القومي من السهل إلى الصعب ومن المسموح إلى الممنوع، متخذة من (الثورية الاصلاحية) سبيلاً لإدارة صراعها السياسي مع الدولة أو بعبارة أدق مع النظام السياسي الحاكم.. وإنقسمت هذه الأحزاب في منهجها القومي لإدارة الصراع والوصول إلى الأهداف المرسومة بين أحزاب برجوازية وأخرى نخبوية وثالثة أقرب إلى الثورية النضالية، وقد كان من الوارد جداً تحقيق التكافل السياسي بينها إذا ما تخلت عن فكرة (الإنفراد) بقيادة القضية القومية.. لكنها فشلت ليس على مستوى الفكر وحسب بل وحتى على مستوى الممارسة السياسية، فلا البرجوازيون نجحوا في إستثمار رأس المال، ولا النخبويون عرفوا كيف يؤثرون في العامة، ولا الثوريون التزموا النضال الحقيقي!!.

إن أحزابنا السياسية اليوم ليست سوى واجهات تنظيمية لمجموعة أفراد (بالكاد) أصبحوا يتفقون على الأهداف والمبادئ، كما أن الظاهرة الحزبية باتت في تراجع دائم بحيث نادراً ما بات الحزب يتمتع بالدعم الجماهيري والتأييد الشعبي المتأسس على تقبل مشروعه السياسي (إن وجد).. فعلى المستوى الداخلي أصبحنا نشهد المزيد من الإنشقاقات الحزبية ونتلمس الكثير من ضعف التوافق حتى بين أعضاء الحزب الواحد، ناهيك عن عدم تلمسنا لأي مبادرة عمل مشترك (جادة) بين تنظيمات شعبنا السياسية رغم توالي وتفاقم التحديات، لابل أن القيادات الحزبية أصبحت أكثر (غلظة) وإصراراً على التشبث بالموقع.. أما جماهيرياً فتراجع الدعم الحزبي إلى أقل مستوياته مقابل تنامي الروح القبلية وازدياد المؤازرة العائلية، كما أصبحنا نشهد ضعف الحزب السياسي وخسارته لمكانته ورمزيته بين العامة في مقابل تعاظم قدرة ومكانة الأفراد (السياسيين) مادياً ومعنوياً.. وبعد أن أصبحت أحزابنا القومية ضعيفة إلى الدرجة التي باتت فيها غير قادرة حتى على الحفاظ على مكانتها واستحقاقاتها السياسية، بات من غير المعقول الاستمرار بالتعويل عليها كوسيلة فاعلة لتحقيق الغاية في الارتقاء بقضيتنا القومية.

*  (5-12)سلسلة مقالات تتناول جوانب رئيسية في العمل القومي والأداء السياسي (الكلداني-السرياني-الأشوري).

جورج هَسَدو

كاتب وصحفي أدار أكثر من مؤسسة إعلامية في الوطن. ناشط في مجال حقوق الأقليات وله العشرات من المقالات في الشأن السياسي العراقي وما يتعلق بالجانب القومي لشعبنا (الكلداني-السرياني-الأشوري).
زر الذهاب إلى الأعلى

Sign In

Register

Reset Password

Please enter your username or email address, you will receive a link to create a new password via email.