أعلن معنا... أعلن معنا...
مقالاتمقالات ودراسات نقدية و بحوث

من أجل قضية فاعلة ترتقي لمستوى التحديات – شعبنا بين نار الوطن وتيه المهجر – “الجغرافيا” *

جورج هَسَدو

[email protected]

مثلما من الممكن أن تكون الجغرافيا عاملاً إجابياً في عملية إعتزاز الشعوب بذاتها القومية، حيث التشبث بالأرض والارتباط الجذري بها يدفع المرء للتعلق بهويته وإرث آبائه، فمن الممكن أن تتحول الجغرافيا إلى نقمة على أصحابها عندما يكون هناك من يتربص بها (وبخيراتها).. ومثلما من الطبيعي أن تعتبر الجغرافيا (الطبيعية) عنصراً مساعداً في توفير العيش الرغيد للبشر ومساعدتهم على البقاء، فمن الوارد جداً أن تتحول إلى جحيم لأصحاب الأرض الأصليين عندما تتحول إلى جغرافيا (سياسية) محكومة من قبل نظام عنصري طامع.. وبما أن أي جغرافيا بشرية تستمد شرعيتها من العمق التاريخي (لمالكيها) أولاً ومن القوة العددية (لساكنيها) ثانياً، فأنه من الواجب أن تستمر المجموعة البشرية بالحفاظ على الأرض عن طريق الاستمرار والبقاء عليها من جانب والاستناد على حق الملكية من جانب آخر.. لكن كل هذا (التنظير الفلسفي) المبني على النظريات العلمية يصطدم بالواقع ويتحول إلى كلام فارغ عندما يكون هناك صراع غير كفئ على ملكية الأرض، حيث عندها لن يكون من المفيد أبداً الاعتماد على أي (منهج علمي) أمام التعاطي البربري للمشكلة.. وهو ما بات يحصل لشعبنا وقراه وأراضيه التاريخية منذ تأسيس الدولة العراقية وتصاعد المد العروبي في البلد، وتطور الأمر تدريجياً ليصبح أسوأ في زمن النظام البعثي السابق وليصل حد الذروة أيام حكم الأحزاب الكردية.

قد نكون (غير منصفين) إذا ما برأنا أنفسنا من مسؤولية فقداننا للكثير من قرانا وأراضينا التاريخية، وبالتأكيد سنكون (غير دقيقين) إذا ما قفزنا على الظروف الموضوعية السيئة المحيطة بنا محلياً وإقليمياً ودولياً، وهكذا فأننا سنتحول إلى (مخطئين) إذا أدرجنا كل عملية مصادرة ضمن مخطط التغيير الديمغرافي.. لكننا في ذات الوقت سنكون (سذج) إذا إعتقدنا أن ما يحصل من إستيلاء على أراضينا التاريخية هو مجرد تجاوز فردي، وسنعتبر (فاشلين) إذا بقينا نعتمد نفس أسلوب التعامل الرسمي الخاسر مع المغتصب، وسنتحول إلى (حمقى وأغبياء) إذا اعتقدنا أن أغلب ما يجري ليس صراع عرقي على ملكية الأرض متولد من خلفية عنصرية عدائية.. على مدى عشرات السنين وشعبنا مستمر بفقدان جغرافيته، لأكثر من ثلاثة عقود ونحن نخسر المزيد من أراضينا التاريخية، ورغم كل الوسائل الرسمية وكل المساعي العلاقاتية وكل الاجتهادات الفردية مازلنا نفشل في استرداد حقنا المسلوب لابل أصبحنا نخسر المزيد!!.. فهل من المعقول أن نبقى وعلى مدى عقود نعتمد نفس الآليات ونتبنى نفس الوسائل ونجتر نفس الأفكار للتوصل إلى حلول مرضية لنا كملاك أرض ومقنعة لشعبنا كصاحب قضية؟؟!!، أم أن الوقت قد حان لنرتقي بفكرنا ووسائلنا وآلياتنا إلى درجة التحديات المحدقة بنا؟!.

برأيي الشخصي والمتأسس على  اطلاع واسع وكمية معلومات كبيرة وبخلفية سنوات طوال من التجربة السياسية، أن الوقت قد حان لأن نغير من أسلوب عملنا لما يخص مسألة الاستيلاء على أراضي شعبنا في إقليم كردستان العراق، وأن نعتمد خارطة طريق جديدة لإرجاع الحق لأصحابه الأصليين.. حيث وبعد كمية الفشل والخسارة التي منينا بها ربما علينا أن نبدأ من الأصعب وليس الأسهل، فنظرية البدء من السهل يتم تبنيها عندما يكون هناك إتفاق على المبادئ أو على الأقل الخطوط العريضة للمشكلة، بينما نحن اليوم أمام مخطط قومي غايته تأسيس كيان جيوسياسي لشعب (وافد) من خلال تغيير هوية الأرض.. وهو الأمر الذي لم ولن يُحل أبداً عن طريق المكاتبات الرسمية واللجان الإدارية والسياقات الروتينية ولا حتى (بالعويل والاستعبار) من خلال بيانات الشجب والتصريحات الفيسبوكية، فهذه كلها ليست سوى (جهود عبثية) لم ولن تصل بنا إلى أي شيء.. أما البدء من الصعب فمعناه تحول جذري في أسلوب المواجهة وتصعيد النزاع الذي من شأنه إما إجبار المعنيين على التوقف جدياً عند المشكلة وإيجاد معالجات (مقبولة) لها أو الاستمرا بالاستغفال وعدم الاستجابة، حيث عندها سيكون من حق المتظلم اللجوء إلى البدائل والتي قد يكون أهمها الإحتكام إلى قضاء دولي.

أما مسؤوليتنا الداخلية وواجبنا الأخلاقي فيحتمان علينا أولاً عدم السماح للمصلحيين والمستنفعين التصرف بحقهم الشخصي دون استشارة أو توافق مع باقي أصحاب الأرض بإعتبار القضية شأن عام، وثانياً رفض أي محاولة لاستغلال الموضوع اعلامياً من قبل السياسيين لا من شعبنا ولا من غيرهم.. كما علينا التريث باطلاق التهم جزافاً بحق المقصرين أو الميؤوسين من أبناء القرى المستولى عليها، فقد يكونوا قد سعوا بكل جهودهم للحفاظ على أرضهم أو تعرضوا للخسارة (أو للتهديد) قبل أن يقرروا غسل أيديهم من الموضوع.. والأهم من كل ذلك على القيادات والزعامات والمرجعيات بأصنافها الكف عن (الهذيان) بأن مسؤولية فقدان الأرض تقع على المهاجرين من أبناء شعبنا وأن عليهم العودة إلى قراهم في حال أرادوا الحفاظ عليها، فهو (أسوأ وأسهل) عذر يمكن تقديمه للمغتصب!!.

*  (3-12)سلسلة مقالات تتناول جوانب رئيسية في العمل القومي والأداء السياسي (الكلداني-السرياني-الأشوري).

جورج هَسَدو

كاتب وصحفي أدار أكثر من مؤسسة إعلامية في الوطن. ناشط في مجال حقوق الأقليات وله العشرات من المقالات في الشأن السياسي العراقي وما يتعلق بالجانب القومي لشعبنا (الكلداني-السرياني-الأشوري).
زر الذهاب إلى الأعلى

Sign In

Register

Reset Password

Please enter your username or email address, you will receive a link to create a new password via email.