من أجل قضية فاعلة ترتقي لمستوى التحديات.. شعبنا بين نار الوطن وتيه المهجر – “الواقع”*- جورج هَسَدو
لا يختلف واقع شعبنا (الكلداني-السرياني-الأشوري) اليوم عن ما كان عليه قبل الحرب الكونية الأولى إلا بالكثير من الشكل والقليل من المضمون، ولكم أن تتخيلوا شعبٌ تاريخه الحضاري قرابة الـ 7000 سنة ويمتلك قضية قومية عمرها فوق الـ 100 عام وله فعاليات سياسية منذ خمسينيات القرن الماضي وما زال يعيش نفس الواقع!!.. تخيلوا كمية الفشل الجماعي الذي نعانيه أفراداً ومؤسسات، بل مستوى التدني الفكري (والعقر) القومي الذي أصابنا بحيث وعلى مدى عشرة قرون لم نتغير فيها إلا بعائدية ولاؤنا!!، وياريت تطور الولاء نحو الأحسن، بل نحن فقط أستبدلنا العناوين والمرجعيات إلى الدرجة التي لم نعد نميز فيها بين السياسي والكنسي والمدني والعشائري.. نعم، علينا أن نرفع رؤوسنا المدفونة في الرمال ونتوقف عن التغني بالماضي والتمشدق بحاضر مزيف، فنحن اليوم أحوج ما نكون للمكاشفة والمصارحة ووضع كل النقاط على حروفها الحقيقية، حيث المجاملة والنفاق على حساب قضيتنا القومية لن يوصلنا إلا لمزيد من الفشل والإنكسارات.. أما الحديث عن المخططات الخارجية ومؤامرات الأعداء والخونة والعملاء فلقد تحول من عامل سلبي من المهم دراسته لمواجهته وايجاد معالجات له، إلى شماعة مهترئة لتعليق أخطاؤنا لابل (خطايانا) السياسية عليها، وإلا فهل من المنطق أن نظل نلوم السراق ولا نتحرك لإعادة تثبيت بابنا المخلوع وترميم أسوارنا المهدمة؟؟!!.
وعلى مدى عشرة قرون لم نتغير فيها إلا بعائدية ولاؤنا!!، وياريت تطور الولاء نحو الأحسن، بل نحن فقط أستبدلنا العناوين والمرجعيات إلى الدرجة التي لم نعد نميز فيها بين السياسي والكنسي والمدني والعشائري
إن واقع شعبنا اليوم (يلطمنا) ويذكرننا بأننا مازلنا نعيش نفس التشرذم القومي ونعاني نفس الفشل في التمثيل السياسي وندفع ثمن قصر النظر الفكري، ورغم كل الخسارات وكل هذا التراجع مازلنا نتعنت في (تدوير) مخلفات عقولنا المريضة، بل أن هناك من ما زال يؤمن بأن النصر ممكن أن يتحقق عن طريق الظواهر الصوتية!!.. وبعد أن كان ولاؤنا يقتصر على المرجعيات الدينية والقيادات العشائرية التقليدية والتي لم تصل بنا إلا إلى القتل والتهجير والتراجع الفكري والافلاس الاقتصادي، أصبح ولاؤنا موزعاً بين القيادات الكنسية (المتخاذلة) والأحزاب السياسية (الفاشلة).. وبعد أن كنا ضحية ضيق أفقنا السياسي وسذاجة إيماننا الديني اللذان تم استغلالهما بأبشع صورة من قبل القوى الكبرى المتصارعة، أصبحنا ضحية جشعنا وجبننا وسفاهتنا وتكاسلنا، والتي غذيت بعضها بواسطة أنانيتنا الفارغة وبعضها الآخر من مستثمري ضعفنا وانتهازيتنا.. وبعد كل هذا ألم يحن الوقت لنتوقف عن الإصرار على المراهنة على أدواتنا الحالية لتحقيق التغيير المنشود؟، أليس علينا أن نتوقف عن الاعتماد على نفس آليات عملنا للارتقاء بواقعنا المؤلم؟، ألا يستحق هذا الشعب الذي تحول من عامل مهم على صعيد الوطن إلى مجرد (حطب محرقة) أن نفكر في إنقاذه وإنقاذ قضيته القومية؟!.
فإذا كان الجواب نعم، فعلينا أن نتحرك جديا وسريعا لايجاد الحلول الناجحة التي من شأنها رفع رقم قضيتنا في المعادلة الوطنية وربما حتى الدولية إلى ما فوق (الصفر)، ومشوار التغيير هذا لابد أن ينطلق من داخل شعبنا الذي يحتاج إلى (ترميم الذات القومية) قبل التوجه إلى الآخر إن كان صديقاً أو لا.. وعندما نقتنع بهذه الفكرة أو نتبنى هكذا توجه لن يستوجب علينا أن نتصارع على المقاعد النيابية ولا على المناصب الإدارية التي باتت (ومنذ زمن بعيد) مجرد فتات يتساقط من موائد الكبار، بل أننا سنتشارك الواجب قبل الحق ونشجع مسعى المختلف قبل المتفق.. وإلا فأنه ما علينا سوى أن نتقبل واقعنا ونغوص في (مستنقع) إخفاقنا ونتباكى على ماضينا ونلعق جراح حاضرنا، ولا ننسى أن نلعن (أبو) من عادانا تاريخياً كل يوم ونشتم أجداد من يقف في طريق إعادة أمجاد امبراطوريتنا العتيدة.. وبعد أن نرتاح نفسياً بأننا أدينا ما علينا من واجب قومي ومسؤولية أخلاقية تجاه شعبنا وقضيتنا وقاتلنا كل طواحين هواء العالم وحققنا النصر المنشود، أن نهرول إلى فراشنا الدافئ ونغط في نوم عميق (ونحلم)، لعل الحلم يكون أفضل من.. الواقع!!.
* (1-12)سلسلة مقالات تتناول جوانب رئيسية في العمل القومي والأداء السياسي (الكلداني-السرياني-الأشوري).