قراءة في مجموعة لوحات للفنان التشكيلي حيدر عباس العبادي بعنوان: المرأة المعنّفة – دكتورة أميرة عيسى
أحد تجاربي الفنية مابين 2000-1990 وقراءات بأقلام بعض الشعراء والأدباء تناولوا فيها دور المرأة وماتتعرض له من الالم وضغوط في المجتمعات الشرقية والذي رسمته في أغلب لوحاتي
بقلم: أ.د. أميرة عيسى استاذة نقد الأدب الفرنسي في الجامعة اللبنانية
عندما ترتدي الكلمةُ لونَ الدّم! لأن كان صباحي مع تأمل لوحات الفنان التشكيلي المبدع حيدر عباس عبادي، اعتزلتُ من الحياة مظاهرَها، واعتكفتُ مكتفية بما حرّكته هذه اللوحات في روحي. فنّ حيدر العبادي، هذا الفنان العالمي يهاجم، يقصف وينتزع ما خبأته السنون من مآسي، تمامًا كما قال المفكر علي عزت بيفوفيتش: المعنى النهائي للفن أن يكتشف الخصوصية الانسانية في الناس الذين اساءت اليهم الحياة.
في الوجه صرخة… وتقوقعٌ في الجلسة… تتكتل المرأةُ على نفسها في مجموعة اللوحات التي عرضها الفنان التشكيلي العالمي حيدر عباس عبادي على صفحته على الفايس بوك، تحت عنوان المرأةالمعنَّفة، الصرخة هي اول صرخة في الحياة، الصرخة الابدية والتي ما زالت الانثى تصرخها وما من مجيب، هي صرخة تبقى عقيمة طالما ان هناك امرأة واحدة في الكون ما زالت تُعنَّف من قبل الزوج الاب الاخ الحكّام القوانين، امرأة ما زالت تُغتصب تُعذب وتُسلب منها حرية التعبير… و
الجلسة هي جلسة التقعر والتكور، والرغبة بالعودة الى الرحم- الأم، العودة الى ما قبل التكوين والولادة، الى اللاشيء لكثرة ما تعاني الأنثى من القهر والعذاب… انثى الفنان حيدر العبادي ترفض هذا الواقع، كل جزء من جسدها يصرخ يرفض يركض يسافر الى اين؟ لا مفرّ من حياة جاءتها موؤدةً… وما زالت… هذا هو الهروب الى الوراء، الى ما قبل التطور البشري المتقهقر حيث ان العائلة كانت امريسية وحيث كانت المرأة تُعبد، كانت تُعتبر آلهة الكون، أصل الانجاب والتكاثر.
والسؤال الذي يطرح نفسه بالحاح، الى اي حدّ ساهمت الاديان السماوية باضطهاد المرأة؟ اللون الاحمر الذي يغطي لوحات حيدر العبادي هو الدم المقدَّس- الملعون الذي يغمر الانثى في كلّ شهر، الدم الذي رفضته الاديان السماوية كلها، انت نجسة لا تقربي الصلاة، ممنوع عليك الصوم والزكاة، لا تلمسي الكتب المقدّسة، لا تلمسي مرطبان الكبيس قد يتعفن ، انتِ نجسة… نجسة… نجسة…
ايتها الانثى، يا أخيّة، لا تجزعي انت طاهرة… طاهرة… طاهرة في كل لحظة من ايامك، لا تخجلي بما وُهبتِ من فيضٍ يحمل في كينونته اسرارَ الوجود، لا تخجلي من رحم فاض على الكون وانجب الانسانية جمعاء… “تخيروا لنطفكم افضل الارحام” هكذا قالت الانبياء وتبقى المرأة ذلك الرحم، الوعاء يحمل النطفة يقدسها يرعاها ويهبها لمجتمع جاحد جحودَ البشريّة …
وتتشئ المرأة في لوحات حيدر العبادي، تصبح سلعةً تسوِّق لسلعة اخرى، تمامًا كما في الدعايات الاستهلاكية جسد امراة مع الشوكولا، والجسد العاري يعانق احدث السيارات لا فرق بين العارض والمعروض، الكلُّ يعمل على الغريزة وينسى روحَ الانثى الانسان،
وتدور الاحاديث وتتعمق في تربية اجتماعية عقيمة ترسِّخ جذورَ التحقير لفكر المرأة، “كوني جميلة واصمتي”، و”الرجل يحب السيارة الجميلة والمرأة الجميلة”، لا فرق بين السلعة والسلعة وما زالت الاديان السماوية تدافع عن الشرخ وتسّن الشرائع من: للذكر مثل حظ الأنثيين ،ومثنى وثلاث ورباع…. “واذا الموؤدة سُئلت باي ذنب قتلت” وئدت في الغرب والشرق بقوة وعنف وان كانت في الغرب قد انتزعت بعض الحقوق… “رفقًا بالقوارير” على ما في هذه التوصية من رقة الا انها تحملُ بذور الفوقية للذكر الذي يتمتع بمثل حظ الانثيين…
وما زلتُ أتأمل هذه اللوحات، هذا الفن الراقي، يحدّثك بالالوان ويهزّك بالتموجات الجسدية المبهَمة، مشاهد ألم، مشاهد اختراق، تشئ، اغتصاب، اجساد عارية معروضة في سوق النخاسة، مجزرة للنساء امام عيون شاخصة،
انتَ ايها النصف الآخر الذكوري بامتياز، تمارس غطرستكَ وتسنّ القوانين ضدّ مصلحة المرأة وتدّعي العدل والحُب والعشق، عذرًا قد تعشق ولكن لثواني….
والكثير الكثير من البراكين التي فجَّرَتْها في روحي لوحات الفنان المبدع حيدر العبادي، لقد قال بالألوان ما لم يقله بالكلمات:
أيتها المرأةُ… ثوري!