أعلن معنا... أعلن معنا...
أدبباللغة السريانيةثقافة وفنوندراسات نقديةمقالات ودراسات نقدية و بحوث

قراءة في القصيدة السريانية المعاصرة للباحث نزار الديراني – د. هزار أبرم

نقلا عن موقع ألف لام

د.  هزار أبرم

(جامعة حلب)

نقلا عن موقع ألف لام

  تعد الدراسة التي قدمها الباحث نزار الديراني من الدراسات الأدبية الفريدة التي تفتقر إليها المكتبة السريانية، فقد قَسَم الباحث كتابه إلى مقدمة وسبعة فصول، وهو كتاب من القطع المتوسط، ويقع في (143) صفحة. بدأها الباحث بتقديم تضمن رصداً موضوعياً صادقاً لواقع الساحة الثقافية الشعرية السريانية مشيراً إلى افتقار الوسط الأدبي لفن النقد للنص السرياني، وهذه حقيقة لا تغيب عن الباحثين في الآداب عامة، والأدب السرياني خاصة. ثم أشار الباحث إلى موقف الأديب السرياني من هذا الواقع، فهذا الأديب – كما يقول الباحث-«يُقدم ما لديه، ومن ثم يترك المنصة من غير أن يَعرف أين رسَتْ سفينته»([1]).

ولأن الباحث كان يحمل همَّ القارئ على الدوام فقد أكّد أنه يسعى في كل أعماله إلى«لفت انتباه القارئ إلى نقاط القوة في العمل، وإثارة الانفعال في نفسه»([2])، ليكون هذا القارئ مؤهلاً لتذوق النص الأدبي، والكشف عن مواطن الجمال فيه، وفرز النصوص الغثة من السمين منها.

ولعل التجربة التي خاضها الديراني لم تكن بمعزل عن إدراكه ما يلزم الوسط الأدبي، وحاجة كل أديب كي يرقى بذاته وفنه,فيقدمه بأسلوب متميزٍ وهذا ما نلمح صداه بقول الديراني: «لا نزال بحاجة إلى الكثير من الدراسات لتأسيس مدرسة نقدية سريانية تقود المسيرة أولاً، وترفد مكتبتنا ثانياً لتستفيد منها الأجيال الأخرى»([3]).

 ففي الفصل الأول: قدَّم تتبعاً دقيقاً لمسيرة المشهد السرياني مروراً بالعهود المظلمة التي مرَّ بها الأدب السرياني وصولاً إلى عصره الذهبي في القرن (4) م، وأشار إلى أن هذا الأدب قد مثَّل حالة الشعب السرياني وما تعرض له من اضطهادات ومعاناة، ساهمت في انحدار الأدب وتراجع اللغة لتصبح حبيسة الكنائس والأديرة ، ثم بدأ الأدب السرياني بالانتعاش شيئاً فشيئاً رغم قلة إنتاجه وانحصار مواضيعه في مجالات محدودة.

ثم أشار الباحث إلى ألمٍ يقضّ مضاجع كل سرياني يغار على تراثه متسائلاً عن مصير عشرات المخطوطات السريانية القابعة في مكتبات العالم والمكتبات المحلية، وهل سيُتاح لأبناء السريان دراستها والارتواء منها؟ وهل سيتجه الآخرون وخصوصاً العرب لدراسة هذه اللغة وترجمتها إلى العربية أو إلى اللغات الأخرى كما فعل السريان في العصر الذهبي للحضارة العربية الإسلامية؟!

   أما الفصل الثاني: فكان تحت عنوان ” الحركة الأدبية والتجديد” إذ عرض الباحث فيه للحركة الأدبية في الشعر السرياني بدءاً من قصائد الشاعر” وفا الآرامي”، ومروراً بالقصيدة الكلاسيكية إلى القرن (19)م الذي ظهرت فيه كتابة الشعر الحر وقصيدة النثر.

ثم انتقل إلى تحليل بعض النصوص الشعرية المعاصرة تحليلاً يقوم على دراسة البنية الإيقاعية والموسيقى الداخلية، والتكرار والصور الشعرية وما تتضمنه من (تشابيه، واستعارات، ومجاز، وانزياح ..) وغيرها.

ثم وقف الباحث على القصيدة السريانية من حيث اللغة، ورأى أن السريانية لم تبقَ حبيسة الكنائس والأديرة، بل أخذت تلازم حياة الشاعراليومية، فظهرت فئة من الأدباء الذين ساهموا في إغناء قاموس الشاعر، وبذلك امتلك الجيل المعاصر لغة جديدة قادرة على التعبير عن الحياة اليومية التي يمكن أن يفهمها الشعب.

ثم وقف على الشكل العام للقصيدة عند عدد من الشعراء المعاصرين منهم :نينبلماسو، شاكر سيفو،عادل دنو، يونان الهوزي, وغيرهم. كذلك تناول القصيدة من حيث المضمون وأشار إلى أن الشاعر السرياني كغيره من الشعراء كان مطالباً بالتجديد بمواضيعه ومفرداته مستفيداً من تجربته الشعرية في العربية وغيرها من اللغات.

    أما الفصل الثالث: فعنوانه:الصورة الشعرية، فقد  وقف فيه على بنية الصوة الغنائية التي تعد من أبرز أدوات الشاعر السرياني المعاصر، كذلك تناول بنية الصورة السردية محدداً ولادتها في التجربة السريانية في القرن(4)م تقريباً. بعدئذ وقف على بنية الصورة الدرامية معززاًأفكاره بأدلة وشواهد شعرية مناسبة.

وكان عنوان الفصل الرابع: ” جمالية المتخيل الرمزي والأسطوري“، ورأى فيه:«أن استدعاء الأسطورة وكثافتها الرمزية في تجربة الشعراء السريان تنبع من طبيعة الرؤيا التي تقدمها التجربة على المستويين الفكري والجمالي »([4]).

أما الفصل الخامسفعنوانه: ” قصيدة الومضة“، التي رأى فيها:«نمطاً جديداً من أنماط القصيدة السريانية المعاصرة، ومن أجل ديمومتها يجب أن تكون لها القدرة كي تستفزعقل المتلقي وفكره»([5]).

أما الفصل السادس فكان بعنوان: “فاعلية العنونة ودلالتها في تجارب الشعراء السريان، وكان الفصل السابعبعنوان :” الأنوية الفاعلة ودلالاتها لدى الشعراء السريان “.

وأخيراً:من خلال وقوفنا على دراسة الباحث رأينا أنه أبرز وعياً وحساً فريداً تنقّل بهما عبر محطات تأملية بين عوالم شعرائه وسبر أغوارها بثقة وإدراك لما يريد. فبدت قوة ثقته بأهدافه من خلال شرحه وتعريفه لمصطلحات دراسته قبل البدء بها، فحين يقف على شرح قضية من قضاياه، كان يبرز إحساساً مفرطاً بما يختلج في نفس شاعره، فيمدحه حيناً، ويدافع عنه حيناً أخر، ويصور تجربته بدقة، متعاطفاًمعه كصديق له، أو مشاهد معجب به، أو محامٍ حاذق نبيل.

لم يفتأ الباحث عن التدليل على مدى ثقافته وطول تجربته في هذا المضمار من خلال الاستشهاد بقول لأحد النقاد أو الدارسين ليكون منطلقاً يبدأ منه، مبيناً قدرته على الولوج في عباب بحرٍ يحدد مداه بنفسه ، ويعرف أن يرسو ومتى ؟!

****

([1]) – الديراني، نزار، قراءات في القصيدة السريانية المعاصرة ، جميّل الإنتاج والطباعة، 2019م، بيروت، ص 7.

([2]) – المصدر نفسه، ص8.

([3])- المصدر نفسه،ص 9.

([4])- المصدر نفسه،ص 82.

([5]) –المصدر نفسه،ص 82.

***

(*)   دكتوراه في اللغات السامية القديمة- اللغة سريانية 

الرافدين نيوز

موقع أخباري استرالي ثقافي فني متنوع
زر الذهاب إلى الأعلى