فاتن حمامة و-أبو الأربعين- !! – متي كلو
“الذكريات شيء فوق الإرادة، فوق القلب و فوق المشاعر، لهذا هي لا تُنسى”
مارك توين
طرق سمعنا بان الفنانة وسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة سوف تحضر الى سينما النصر التي كانت تقع في شارع السعدون والذي كان ينبض بالحياة،المحلات ،المكتبات، الفنادق، المطاعم، البارات، محلات التسجيل، عند عرض فلمها “الباب المفتوح”وذلك في عام 1965، بالرغم من ان الفلم كان من انتاج عام 1963 وكان من بطولتها ومجموعة من اشهر الممثلين في ذلك الزمن الجميل، منهم حسن يوسف، شويكار، محمود مرسي و صالح سليم الذي كان من ابطال كرة القدم في النادي الاهلي المشهور في مصر كما هو مشهور نادي الزمالك ووالد الممثل المصري هشام سليم، وكانت سينما النصر بفخامتها وجمالها واثاثها وتصميمها المتميز ملتقى العائلات العراقية قبل ان تصبح من المحرمات وتصبح مخازن للملابس ومحال نجارة و البضائع الفائضة لأصحاب المحال التجارية القريبة من المنطقة بعد 2003.
كانت تعتبر سينما النصر من سينمات الدرجة الاولى مثل الخيام وغرناطة،حيث غنى على مسرحها المطرب عبد الحليم حافظ والمطربة صباح وكانت مقاعدها تسع 1200 شخص وكانت تتميز في عرض الافلام الاجتماعية العالمية لشركات عالمية مشهورة وبعدها الافلام العربية المتميزة لمخرجين مصرين كبار،وكانت اسعار بطاقات الدخول 40 فلسا للمقاعد في الطابق الارضي والاقرب للشاشة وكان يطلق على تلك المقاعد “ابو الاربعين” ثم 90 فلسا و110 فلسا اما المقصورة فكان سعرها على ما اعتقد بحدود نصف دينار وكان يطلق على المقصورة “اللوج” وكانت تتسع لاربعة اشخاص في الصف الاول من الطابق الثاني.
اتفقنا مجموعة من الاصدقاء لحضور هذا الفلم ومشاهدة سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، حضرنا قبل ساعة امام مدخل السينما وكان التزاحم شديدا، الى حد الوصول تخللها بعض المشادات بين الواقفين في الطابور، وقفنا امام بائع التذاكر والذي كان يجلس خلف شباك صغير وفتحة صغيرة جدا لتسديد مبلغ التذكرة واستلامها لنقطع اربعة تذاكر من فئة 110 فلسا اي خلف المقصورات مباشرة، بعد انتظار اكثر من نصف ساعة حصلنا على التذاكر، لنتوجه الى الطايق الثاني ونجلس على المقاعد التي تؤشر ارقامها الى بطاقاتنا.
قبل عرض الفلم بحوالي 10 دقائق شعرنا بان هناك عدد من الجالسين تاركين مقاعدهم مهرولين بسرعة متجهين الى الطابق الارضي، سال احدنا الاخر عما يجري في الطابق الارضي!! هل مشاجرة ام حريق ام مشكلة ام استقبال فاتن حمامة عند الباب الرئيسي لتجعل هؤلاء يتركون مقاعدهم!! لم يستمر استغرابنا كثيرا، بل علمنا بان سيدة الشاشة العربية سوف تقف على مسرح السينما وجها لوجه امام الجالسين في مقاعد”ابو الاربعين” !!! اذا، هؤلاء الجالسين اصبحت مقاعدهم افضل منا واوفر حظا لمشاهدة السيدة فاتن حمامة، كان قرارنا سريعا بالهرولة الى الطابق الارضي والاتجاه نحو شباك التذاكر لقطع تذاكر “ابو الاربعين” لنكون بالقرب من الفنانة الكبيرة ،وجها لوجه امام فاتن حمامة سيدة الشاشة العربية ثم العودة الى مقاعدنا،ولكن فاجئنا بلافتة صغيرة كتب على متنها “الصالة مملوءة” ولكن وجدنا عددا من الواقفين قرب شباك التذاكر يعرضون تذاكرهم “ابو الاربعين” للبيع بمئة فلس مع الاستغناء عن التذكرة الممتازة التي بحوزتنا، كان قرارنا سريعا وتنازلنا عن التذاكر مع 100 فلس واستلام تذاكر “ابو الاربعين” دخلنا الصالة وكانت المقاعد غير مرقمة واخذ كل منا مقعدا، لم تمضي الا دقائق قليلة لتظهر سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة وهي ترتدي فستان طويلا اصفر اللون، ونهض الجميع ثم على التصفيق والصفير لعدة دقائق وهي تحي المتفرجين، بعد دقائق قصيرة اختفت ولكن لم نعلم الى اين اتجهت.
بدا عرض الفلم ولكن الصفير لم ينقطع بل كانت التعليقات بين فترة واخرى عند بعض مشاهد الفلم، ولكن بعد حوالي 20 دقيقة شعرنا بتعب عيوننا من مشاهدة الفلم عن قرب والنظر الى الاعلى بشكل مستمر، فقررنا المغادرة وعدم تكملة العرض الذي كلف كل واحد منا ضعف سعر التذكرة واكثر من سعر المقصورة التي كانت تسمى”اللوج” والتي كانت تحجز من قبل العائلة البغدادية العراقية.
ولكن بعد اكثر من سبعة و خمسون عاما عن حضوري ذلك الفلم”الباب المفتوح” قررت ان اشاهد الفلم عن طريق منصات التواصل الاجتماعي على جهاز الحاسوب، مجانا مع فنجان من القهوة وبدون الصفير والصياح والهرج والمرج ورائحة “العنبة” مستمتعا باحداث الفلم ايام كانت الافلام تجسد امال الشعوب في الحرية والانعتاق وحرية المراة في الاختيار..
واحسرتاه على بغداد في ذلك الزمان الجميل…