عقدة الجلوس في الصف الامامي.. او . النخبويين.!! – متي كلو
” ملأى السنابل تنحني بتواضع .. والفارغات رؤوسهنّ شوامخ”
كان الزعيم الدرزي اللبناني كمال جنبلاط مدعوا الى حفل ما ، وكان جالسا في الصفوف الخلفية، هرول اليه احد منظمي الحفل ، وقال له، تفضل يا استاذ كمال الى الصف الامامي، نظر اليه كمال جنبلاط ورد اليه قائلا “اينما وجدت فهو الصف الامامي و قال الشاعر العربي نزار قباني” إن أغلب من يجلسون في الصفوف الأمامية أثناء حفلاتي الشعرية لا يفقهون في الشعر شيئا بينما جمهوري الحقيقي هو من يجلس في الخلف.
في دول الاغتراب العربي بصورة عامة والعراقي بصورة خاصة،ظاهرة غريبة اجتاحت بعض التجمعات الادبية او الاجتماعية، عندما تقدم محاضرات او ندوات او مهرجانات، وغالبا ما تكون الدعوات عامة عبر منصات التواصل الاجتماعي، ويحضر “البعض” مبكرا، لكي يجلس في الصف الاول، ويشعر بالانتشاء والزهو والفخر لكي يلفت النظر في مقعده المتقدم في الصف الاول، ولكن عندما لم يجد مقعدا في الصف الاول، يضطر ان يجلس في الصف الثاني او الثالث ولكن منزعجا ومتوتر الاعصاب، ويتلفت شمالا وشرقا وغربا وجنوبا، ربما يسعفه احد من مسؤولين القاعة بمقعد اضافي ويضعه في الصف الاول قرب الممر حتى لو تم اغلاق الممر!! لان الجالسين وفق اعتقاده ليسوا اهم منه في هذه القاعة او في اي قاعة اخرى في هذه المناسبة او اي مناسبة اخرى، او ربما ينهض احد من الصف الاول لقضاء “حاجته” فينهض من مقعده في الصف الثاني او الثالث ويقفز مغتصبا مقعد المغادر ثم”يرتخي” في هذا المقعد وقريبا على منصة الندوة او المحاضرة، والبعض في حال لم يتوافر له مقعد حسب مبتغاه فيلعن حضه في الحضور الى هذه المحاضرة او الندوة ويغادر القاعة غاضبا بشدة وعلامات على وجهه حركات وانفعالات غاضبا مع تمتمة بكلمات لم يسمعها سواه، اما في اليوم التالي عندما يساله البعض لماذا غادرت القاعة ، فالجواب حاضرا” مكالمة هامة من العائلة”، بالرغم من انه يجهل مادتها وليس له اي اهتمام وبالعربي الفصيح “لا يفقه منها شيئا” ولكن حضورة بسبب اصابته بفيروس الصور التذكارية وهو في الصف الاول!! او كما كان يعتقد حفيدي بان من يجلس في المقعد الامامي من السيارة يصل اولا!! وهذه النماذج لا يسيئون الى اسمهم فقط بل الى شهاداتهم العلمية او الادبية اذا كانت يستحقونها ونسوا بان حسن السلوك افضل من الشهادة العلمية!!
كذلك في مدن الاغتراب، تنظم احزاب سياسية سواء من الحاكمة او المعارضة او تجمعات خدمية ،امسيات او ندوات و بمناسبات وطنية او سياسية، و يتم دعوة سياسيين او رجال اعمال في التجارة والصناعة وشخصيات تالقوا في مسيرتهم الحياتية واصبحت لهم بصمة في الاقتصاد في مدينتهم ، وتحجز طاولة لبعض هؤلاء مع ممثل الدولة ، ولا تختلف عن الطاولات المنتشرة في ارجاء القاعة، كما يجلس على الطاولة عدد من المحتفين بهم اما المسؤولين عن التنظيم فيتوزعون في ارجاء القاعة لتصويب اي خطا عند حدوثه اثناء الاحتفالية بجميع التفاصيل.
اما ، المغتربون في مدن الشتات من الجالية العربية بصورة عامة والجالية العراقية بصورة خاصة، عند اقامة اي احتفالية لمناسبة ما، تخصص طاولة في صدر القاعة، يخصص مقعد في الوسط للمحتفي به او ممثل برلماني او حكومي فيجلس بجانبه يسارا او يمينا عدد من “النخبويّين” أو دعاة النخبوية ، يبلغ احيانا عددهم اكثر من عشرة اشخاص، اما المدعوين فينتشرون على الطاولات في ارجاء القاعة، وهناك بعضهم يترك عقيلته في طاولة اخرى ليكون قرب المحتفي به، وعلامات الكبرياء والغرور ظاهرة على سحنته!!
اما اذا كان من ضمن جدول الحفل تقديم وجبة عشاء للحاضرين، فيتم توزيع صحن من العشاء امام كل مدعو من الحاضرين في القاعة ، اما على الطاولة التي يجلس فيها المحتفي به و “النخبويّين” في صدر القاعة ، فيضع ما لذا وطاب وعدد الصحون اكثر من النخبويين باضعاف وعشاء يكفي للعشرات ويعتقد هؤلاء بان قيمتهم تتحدد بمكان جلوسهم وما يقدم على الطاولة ، فليس لنا الا ان نقول لهؤلاء انها العقدة النفسية وعليهم مراجعة الاطباء النفسيين المختصين بهذه العقد !! او الاستعانة بالاصدقاء الصادقين الذين يصارحوهم في عيوبهم!!
ونقولها مع الاسف الشديد بان هؤلاء يرون في انفسهم مميزات ليست موجودة بالآخرين ويبقى سؤالنا في هذه المقالة ، هل قيمة الشخص انسانيا او ثقافيا او اجتماعيا تتحدد بجلوسه في الصف الاول او في صدر القاعة واجابتنا نقول صدق من قال” ملأى السنابل تنحني بتواضع .. والفارغات رؤوسهنّ شوامخ” وهذا البيت الشعري، يعبر عن الكثير من النماذج البشرية التي نصادفها في الحياة اليومية والتي تعتقد بانها افضل من الاخرين، لضيق تفكيرهم وفكرهم