ظاهرة الوجبات الثقافية السريعة
قبعات ثقافية… القبعة التربوية –
سأرتدي اليوم قبعتي التربوية الثقافية لأتحدث اليوم عن ظاهرة تنتشر في هذه الأيام وهي ظاهرة الوجبات الثقافية السريعة.
رغم أنها غير صحّية وينصح الأطباء بعدم تناولها، إلا أن الوجبات الغذائية السريعة مثل ماكدونالد أو كاي أف سي مرغوبة جداً وهي تحقق أرباح كبيرة. وفي العادة يتناول الأشخاص الوجبات الغذائية السريعة لملئ البطون وإشباع الجوع في وقت سريع بدلاً من قضاء وقت في الطبخ لتحضير وجبة غذائية صحية مغذّية وتحتوي على العناصر الغذائية المهمة.
باعتقادي ينطبق هذا الشيء على الثقافة فما يشهده العالم اليوم هو انتشار ما اسميه أنا (وهذا مصطلح أو تعبير من تأليفي وصنعي) بالوجبات الثقافية الخفيفة ، وأقصد بهذا هو الأخبار والمواضيع التي تنتشر على منصات التواصل الاجتماعي التي غايتها ملئ أو إشباع الفراغ اليومي في فيديوهات وأخبار تافهة نوعاً ما.
فمن متابعتي لبعض صفحات التواصل الاجتماعي ستجدون أن اخبار تافه مثل حوادث أو أشياء غريبة تنال إعجاب الآلاف من الزوار بينما إذا وضعت قصة جميلة لها معنى أو قصيدة أو غيرها فستجد الإعجاب يكون في العشرات فقط.
لهذه الظاهرتين نتائج سلبية.
فبالنسبة للوجبات الغذائية السريعة فأنها تؤدي إلى الزوال التدريجي لفن الطبخ ومتعته وكذلك حرمان العائلة من فوائده، مثلاً اجتماع العائلة حول مائدة الطعام لمدة طويلة ومشاركتهم الأحاديث لتقوية الأواصر العائلية أو آواصر الصداقة أو القرابة وكذلك تحرم الوجبات الغذائية السريعة متعة مشاركة الجميع في تحضير الوجبات الغذائية وفيه فرصة للأبناء لتعلم فن الطبخ، خصوصاً طبخ الأكلات الخاصة بثقافة معيّنة، الذي ورثته النساء عبر التاريخ.
أما مساوئ الوجبات الثقافية الخفيفة، فهي حرمان الجميع من الثقافة الحقيقة ، ثقافة قراءة الكتب والمجلات الثقافية وبالتالي الزوال التدريجي الذي شاهدناه للكتاب المطبوع وتبديله بالكتاب الإلكتروني كخطوة أولى ، ثم التحول من الكتاب الرقمي أو الإلكتروني إلى الأخبار والمنشورات القصيرة على صفحات التواصل الاجتماعي. وهذه كارثة حضارية ستؤدي إلى إبعاد الإنسان عن الثقافة الحقيقية بإتجاه الثقافة التافهة وانحطاط في مستواه الثقافي وهذا سيولد ظواهر سليبيه مثل انتشار الفساد والإجرام.
للأسف تتجه البشرية اليوم إلى الانحطاط الخلقي بسبب ضعف نظرة الإنسان للحياة ورؤيتها من منظار امتلاك المال والمتعة المُزيّفة وضعف العلاقات العائلية وتفكك العائلة وتشرذم الأبناء وظهور ثقافات شاذة وغريبة على الإنسانية.