سيكولوجية الألوان الداكنة ودلالاتها في لوحات الفنان حيدر عباس العبادي – دراسة نقدية نزار الديراني
حين يتناول الفنان فرشاته سيحاول اسقاط ارهاصاته وتطلعاته على اللوحة ، بمعنى آخر الرسام يحاول التعبير عن الحالات التفائلية أو الاضطرابية المكبوتة في داخله ، فالقلق وتمثلاته الناشئ من نشوب الحروب التي تهدد الوجود الانساني والعامل الاقتصادي والسياسي والاجتماعي جميعهم يصطبغان العمل ان كان فنيا أو أدبيا بمشاهده .
فاختيارالفنان اللون وتقاطيع الوجه والظلال وضربة الفرشاة كلها تأتي متزامنه مع حالته النفسية وشعوره ، فدلالاتها مرتبطة بسايكولوجية الإنسان حيث هناك تأثير متبادل بين محاكات التعبير عن الانفعالات والأحاسيس الذاتية وبين الشكل الجمالي الذي يتركه الرسام علـى اللوحة.
ففي الوقت الذي تعمل مخيلة الفنان على جمع الخبرات ومزاوجتها مع ما تخزنه من الانطباعات التي تتلقاها من الطبيعة والمجتمع بأبعادها الاجتماعية والسياسية، والاقتصادية تكون الأبعاد النفسية حاضرة كي تشارك المخيلة في عمل اللوحة لان التعبير هو دلالة وجدانية تُدرك بطريقة حدسية مباشرة كونه نزوع ذاتي نحو التعبير الحر في الفن الذي لا ينحـصر فـي اللون وحده، بل يتعداه الى اتجاه فلسفي ونمط تعبيري.
من خلال زيارتي الى معرض الفنان العراقي (المقيم في سدني) – حيدر العبادي – (من خلال صفحته في الفيس بوك ) تبين لي ان الفنان يركز من حيث الصياغة على مساحات لونية واسعة ومكثفة يستند كليا إلى تركيزه على الألوان التي تخللتها بعض العناصر الأخرى كدرجة الظل وملء المساحة المتاحة في اللوحة ، والتي ساهمت في إيجاد توازن، ليقدم بعداً عضوياً متماسكاً. ليرتقي بلوحاته إلى مستوى جمالي يؤطر التناغمات، ويبدو معالم أثر ضربة الفرشاة واضحة في السحب والتركيد، ما يعكس قوة الصراع مع الآخر ليسرح بها بصيرة المتذوق؛ فهو يجيد اِستخدام الألوان الحارة والداكنة ليثري نسيج اللوحة .
كثيراً ما يركز الفنان على خفت الضوء من على لوحاته ليجعلها داكنة تتقمط الظل ، لذا تتراءى للناظر وكأن شخوصه تعيش في الظلام وإن دل على شئ إنما يدل على انعكاس الواقع المرير الذي عاشه أو يعيشه الفنان بالنيابة عن مجتمعه لذا ترى شخوصه تتقمطه من خلال تقمط ارهاصاته فجعلها تتكور على ذاتها وتتقمط ، ومظاهر الخوف بادية على وجوهها … ولكون الفنان حيدر متمرس على استخدام اللون والفرشاة لذا تراه يستخدم في الكثير منها الألوان الداكنة بصورة كتلية ويجعل شخوصه تملأ اللوحة ويرسمها بطريقة تتراءى للناظر على انها مستسلمة للواقع مشلولة الحركة ليقول لنا لا يزال الانسان يعيش في خطر ، وفي كثير من لوحاته تراه يجسد ارهاصات المرأة .
من خلال اطلاعي على معرضه الشخصي تبين لي هناك ثلاث محاور رئيسية يتناولها الفنان :
- المرأة /الرجل وهي تحمل بين طياتها كل الارهاصات المجتمعية بسبب قساوة العاداة التي تجعل من المجتمع أن يكون ذكوري التوجه .
- يريد الفنان أن يقول إن المرأة قادرة على العطاء لو أتيح لها وكما في عزفها وحضنها و…
- يحاول الفنان التركيز على الجانب الانساني للرجل حين يكون مدافعاً وحاضناً للمرأة .
ولانه فنان مبدع يعرف ما ترمز اليه الألوان ، لذا تراه يركز على الأسود واللون القاتم معبراً عن الخوف والقلق وكما في المجموعة الأولى إلا أنه يستخدم في المجموعة الثانية والثالثة اللون البني الفاتح مجسدا بذلك الخصوبة والعطاء واللون البنفسجي والوردي كاشفاً من خلالهما عن المعنى الانساني والرقة والحب في لحظة العطاء فضلاً عن استخدامه الأبيض وأحيانا الأزرق وما يشبه الأصفر (خردلي) ليقول لنا لا يزال هناك بصيص أمل وبدرجات متفاوتة .
مصدر: موقع حصاد الحبر
فجميع ألوانه يطعمها بالأسود الذي يرمز إلى سوء الحظ، والتعاسة، والحزن، فهو لون سلبي يدل على الفناء إلا أن الفنان لا يدعو لهذا اللون ينفرد بل يطعمه بألوان أخرى كالبني وهو السائد في كثير من لوحاته والذي يرمز الى الأستقرار والثبات والوحدة والحزن ففي كثير من لوحاته تجد شخوصه مكتنفة الانعزال والوحدانية ، ومع كل هذا فهو لون التراب والارض وهذا يعني هناك صلادة وارادة وولادة في شخوصه .
واحتلت المرأة مساحة كبيرة من لوحاته لما وجده في رسـوم المرأة من حسٍ تعبيريٍ عال ليتسنى له إسقاط الحالة الفردية على الجمعية ، معتمداَ بذلك على هيمنة الحدس والمخيلة كي لتكون اللوحة متحررة تماماً من عبودية الشكل ومقتضياته ، وكما في لوحته هذه أعلاه إمرأة تتكور على نفسها في وضع يوحي لنا مدى خوفها وقلقها لدرجة ترها نصف ممددة وشبه يقضة ، وكي تنسجم حالتها هذه مع اللون تراه ركز كثيراً على الأسود مع بقع حمراء في الفضاء الذي يكتنفها ليوحي بذلك وجود خطر في حياتها، ومن خلال هذه الألوان الداكنة ألغى الفنان الحركة كي لا تتعارض مع تقاطيع وجهها ووضع يديها ورجليها اللذان يوحيان على الأستسلام ، ومع هذا تجد بارقة أمل في حياتها من خلال البقع البيضاء .
وهكذا في لوحته هذه إمرأة جالسة مستسلمة لقدرها ، حيث كل ما في الصورة توحي الى درجة القلق والرعب الذي ينتاب المرأة إن كان ذلك من خلال وضع الجلوس وتلاميح الوجه أو من خلال الكتل اللونية المستخدمة في فضاء اللوحة وحيث اللون الأسود والاحمر الذي يشبه اللهب الداكن يسودان اللوحة ويثيران لدى المشاهد الرعب والخوف من المستقبل .
وأحيانا يخفي ملامح المرأة فيرسمها لتأخذ الدور المزدوج للمرأة والرجل ليقول لنا الفنان حيدر ، وحتى الرجل يعيش في خطر اسوة بالمرأة وكما في لوحته هذه إمرأة (رجل) جالسة تتقمط الوحدانية والفزع واليأس الى درجة انها تحاول مسك رأسها قبل أن ينفجر وهي تطلق صرخة،على خلفية من الألوان المتدرجة والتي تعطي للوحة شحنة درامية مكثفة مجسدا فيها الخوف الوجودي . . ومن أجل أن يقول لنا الفنان حتى الرجل يعاني من شدة الارهاصات لذا تراه قد أخفى عنا تلاميح المرأة ليتسنى لها أن تتقمط دور الرجل والمرأة .
ومن أجل ان يزاوج بين ارهاصاتها والالوان المستخدمة اختار لفضاءاته الالوان القاتمة بظلالها المكثقة كون المرأة والرجل لا يزالا يعيشان غموضهما وعدم قدرتهما البوح بما يكمن في صدرهما بسبب صرامة الظرف. لذا تراه استخدم الالوان الداكنة الاسود والبني
والرمادي مع خفت الاضاءة .
وفي أكثرلوحاته جاءت (المرأة / الرجل) مقمطة عزلتهما خوفاَ من المستقبل لان المرأة لا تزال تحت نير سلطة الرجل وعبودية العادات والتقاليد.
وفي لوحته هذه ايضا لم يركز الفنان على تقاطيع الشكل ليخفى الى حدٍ ما ملامح المرأة ليعطي لشخصه دورا مزدوجا ، تجد في لوحته إمرأة (رجل) جالسة في كرسي وكأنه مسيج بالاشواك الشائكة ليقول لنا لا زالت المرأة أسيرة بيئتها ومشلولة الحركة من خلال استخدامه للون الأسود في فضاء اللوحة بمعنى ما يكتنف مستقبل المرأة ، رغم انه طعم اللوحة باللون البني بتدرجاته نزولا الى البني الفاتح في الارضية التي تقف عليها مما يوحي والخطوط البيضاء والقطة البيضاء الى الفسحة التي من خلالها تتنفس المرأة العراقية كون هذا اللون يدل على الخصوبة والقوة إلا أنه دائما يجعل شخوصه شبه مشلولة الحركة وهذا ما تعكسه اضاءته أولا وتلاميح الوجه ثانياً .
أعماله تجسد الواقعية من حيث الشكل والمضمون، إلا أن الفنان ووفق المنطلقات الذاتية وتحمل الاشكال بعداً وجدانياً سايكلوجيا من حيث اختيار المشهد والمعالجات السريعة لضربات الفرشاة على الكتلة اللونية لذا منح أشكاله بعداً دلالياً نفسياً وجمالياً على حد سواء. اسلوبه يتصف بتقنية واداء اسقاطات فنية جميلة ، فكل ما في العمل يخدم ما تربو أن تصل اليه الذات لاسقاطها فنياً على اللوحة، من خلال ضربة الفرشاة على اللون بحيث تترك ورائها سطح مضطرب،
والخطوط السريعة التي تحاول الامساك بالشكل، هذا وغيره يلمح الى حجم التوتر والمعاناة التي أصبح لزاماً عليه التعبير عنهما بصدق.
وكذلك في لوحته (الرجل المسن) فألوانه الداكنة جاءت فضلا عن مكوناتها المهمة في حياة الرجل المسن في العمر وهو متمدد على الارض متكئ على يديه ، فالشكل الفني في هذا الاتجاه هو إفراغ لما في أعصاب الفنان من شحنة عاطفية متولدة عن انصهار الوجود في خياله ثم إفراغه في
فنه كما لو كان يقدم جزءا من ذاته . وهذه الحالة ( تمدد الرجل) منتشرة بكثرة في الريف العراقي وحيث الجلوس على الأرض وبشكل يوحي الى التمدد لتعطي للرجل مساحة أكبر للتأمل، فرجل كهذا وهو في حيرة من أمره لا يعرف مصير عائلته ، وقد جعله الفنان حيدر يحتل فضاء اللوحة وكما في أغلب لوحاته حيث يركز فيهما على الكتلة اللونية ، ومع أن الإضاءة موجهة الى الوجه إلا أننا نشعر بالتوازن والعمق الفراغي وتأثير المنظور حين اجتمع تأثير كل من الإضاءة والظلال على اللوحة.
قد ذهب الفنان الى ابعد من ذلك في المجموعة الثانية من لوحاته حيث لا يترك المرأة وحدها بل تجعلها تلازم زوجها ورفيقة دربها وكما في اللوحة هذه رجل يحضن إمرأة حد التلاصق الكلي، وحيث الإضاءة في لوحته هذه جاءت أكثر وضوحاً كونه يعبر عنها بالتضاد اللوني بين الأسود والابيض والأرجواني، والأصفر الخردلي، والتعبير عنها بالحوار الصامت من خلال اخفاء تلاميح الوجه والإيقاع الحركي في وضع اليدين وهي حركة تدل على الهدوء والسكينة كل هذا يوحي الى الخوف الكامن في الذات ، فكل رموز اللوحة تشير الى الرعب والتشاؤم إلا أن الرجل يحضن إمراته ليعطيها الدفئ والحنان والامان من خلال جعل الاضاءة أقوى في الفضاء الخارجي رغم وجود البقع السوداء وخصوصا في الأعلى ، كل هذا ليجعل شخوصه تتنفس بصيص الأمل من خلال الأبيض والبنفسجي وقليل من الوردي المائل الى البرتقالي فضلا عن استخدامه للون الازرق في رداء المرأة والذي يشير إلى البرودة والصفاء والهدوء أي الولاء والثبات… بالتزامن مع الاصفر (الخردلي ) لرداء الرجل والذي يشير إلى انتصار الحب رغم مزجه بالاسود الا انه جعل المحيط مصبوغا باللون البنفسجي والأبيض كي يتصارعا مع الأسود.
وهكذا في لوحته هذه حيث تجد رجل وامرأة قد تقمطا الانعزال ومن علامة الوجه تحس إنهما قد قبلا الواقع بكل هدوء لذا تراه قد استعمل في الكثير من مساحة اللوحة اللون البني بتدرجاته الفاتح والغامق ليقول لنا سيكون هناك تفاؤل وفرح ودفء، لان هذا اللون يدل على المتانة، الفردية والموثوقية، رغم انه قد يشير لدى البعض الى حالةً من الغضب ، لذا أعطاه جرعة من اللون البني المائل الى البرتقالي وفي أعلى اللوحة ليقول لنا ان قوة الزوجين تكمن في الحب الملازم لهما.
كما أننا نستطيع أن نلمس نفس المضمون في لوحات أخرى له.
فالفنان حيدر يوزع ألوانه توزيعا مدروسا كي تحمل الطابع الدرامي من خلال جعلها داكنة مستندا على نظرية توزيع الضوء بين المركز والفضاء في اللوحة كي يجعل من الشخصيات المرسومة بها وكأنها كائنات لونية .
ففي أكثر لوحاته تجد هناك تكثيفاً في ملء المساحة من خلال اِستخدام القياسات الواسعة والأحجام الكبيرة لأشخاصه في اللوحة الفنية ملوّنين بالالوان الداكنة ليوحي لنا الفنان بمدى قوة أشخاصه للتحمل والصمود.
جميع لوحاته جاءت بوصفها ضرورة روحية، وترجمة لأحاسيسه الذاتيـة ومـشاعره العميقـة والمترسخة في الضمير الجمعي اللاشعوري لمجتمعه العراقي وما تكابده الإنسانية من تمزق وانحلال، مما دفع بـه إلـى الصراخ والبوح بما يشعر به الفنان للوصول الى حالة من التأمل في انقاذ الانسانية بصورة عامة والمرأة بصورة خاصة من أنياب الوحوش الكاسرة للوصول إلى منطقة التماهي مـع الـذوات الجمعية، فجاءت أشكاله معبرة بهذه الصياغة، ، لتتحـول بذلك اللوحة في حالة التعبير والشعور المكبوت إلى الخطاب الموجه الناقد ، ومما لا شك فيه أن للإضاءة في المجموعة الثانية من لوحات الفنان حيدر لها دوراً مهما في تحقيق التأثير الدرامي لشخوص لوحاته وهي في قمة العطاء .
ان العمل الجمالي ككل يستند الى إتقان فن الضوء والتظليل فهما يغذيان التلوين ويكسبان الأجسام الحيوية والتألق . كما إنهما يعطيان الفنان القدرة على التعبير عن خصائص الأجسام من حيث الحجم والعمق .وكلما كانت اللوحة تشير الى بارقة أمل كلما جاءت الاضاءة أقوى والعكس صحيح ، وإذا أراد أن يعطي لشخوصه الحركة تراه يزاوح بين الانارة والتظليل ، بين الألوان الباردة والحارة حيث تعد الإضاءة في اللوحة الفنية من العوامل المهمة فى تحقيق الغايات التى يحتاجها الفنان التشكيلى من خلال إبراز التباين أو تدرج الضوء ، فالإضاءة كفيلة بأن تبرز الموضوع الرئيسى ومنحه الأهمية والأولوية للفت النظر إليه في اللوحة .
تعد هذا النوع من لوحاته تجسيداً للقلق، اذ إنها تمثل شخوصا يعكس وجوهها مشاعر الرعب وأما فضاءاتها والطبيعة المحيطة بهما حيث الألوان الداكنة والقوية تضفي على اللوحة أجواء مرعبة . ومن خلالها يطلق الفنان حيدر صرخة مدوية لها صدى .. بعد أن انتابه قلق وخـوف شـديد وشعور بالحزن ..
لذا تراه في مجموعته هذه من لوحاته يستخدم درجة أعلى من الاضاءة من خلال استخدامه للألوان الباردة .
ففي لوحة العازف إستخدم الفنان اللون البنفسجي بكثافة وهو من الألوان المستخدمة لدى رجال الدين والملوك في المثولوجية الشرقية هذا اللون الذي يجمع بين طياته الأحمر والازرق ليدل على التفوق وقد كان هذا اللون قديماً يدل على الغنى والثروة، أمّا مدلولاته فهو يعبر عن الحكمة، والروحانية، والغموض، لذا مزجه مع قليل من البني بتدرجاته الذي يدل على المرونة، والأمن، والشعور بالقوة .
ويبدو أن الفنان قد شحن لوحته الفنية تكثيفاً من كلمات ومعـانٍ وانفعالات وصراعات وأفكار كثيرة وقد ساعده بذلك استخدامه للظلال كي تُعطى للوحته احساس بالعمق أما الاضاءة فهي تعمل على اظهار احساس بالتباين مما يعطى واقعة للشكل المرسوم.
الا أنه في لوحته عازفة الكمان مزج الاسود باللون الوردي الذي يدل على الانسجام، والعواطف الجميلة، والهادئة وقد طعمه بالابيض ليقول لنا باننا من خلال الموسيقى والهدوء يمكننا الانتصار على الاسود الذي جاء من خلال الظلال ربما كان ذلك سبباً دفعه كي يجعل نهد المرأة مكشوفة لتوحي لنا على عملية الولادة واستمرار الحياة .
ومن الجدير بالذكر أن نقول كان الفنان موفقاً في اختياره للدائرة اللونية أو اللون الذي يلائم معاني اللوحة، وسيطرته على توزيع المناطق الفاتحة أو القاتمة، وهذه الأدوات التعبيرية جميعها لها تأثير نفسي على الرائي، بغض النظر عما تشمله اللوحة من موضوعات.
غير أن المعالجة اللونية فى لوحاته، وكما لاحظنا تخلق حلماً بلغة الألوان، وقد اِتحدت مع ذاته، واندمجت مع خياله ونفسيته. وهذا المبدأ يشرح رسم الأشخاص فى اللوحة بأجساد هامدة وشهوانية، وبهيئات كتلية، ومساحات لونية كثيفة وأغلبها عارية من غير أن يركز على تقاطيع الجسد ولا الملابس ليقول لنا ما يهمنا في هذه المرحلة هو انقاذ الأنسان من الخطر بدلاً من التركيز على الجمال .
وفي الختام نقول :
اعتمد الفنان حيدر على اخفاء تقاطيع الجسد وتعـابير الوجـوه والتركيز على الأحاسيس النفسية في أغلب لوحاته، من خلال الخطوط والظلال والكتل اللونية التي يغذي بها لوحاته والتي تعكس لنا الحالة النفسية للشخص بعد أن أسقط عليه ارهاصاته ، وقد ساعده على ذلك استخدام بعض الألوان التي تبرز انفعالات الأشخاص، بل تثير مشاعر المشاهد للموضـوع التعبيـري، كون الألوان بوصفها قيمة تعبيرية خالصة ، تساعده في بث مشاعره وحبه ليجعل الانسان عموما والمرأة بشكل خاص بوصفها وجوداً حـراً للتخلص من الواقع المؤلم ، فأسـفرت الالوان الداكنة عن رمزيتها وتعبيرها الشكلي الذي يأتي من انطباع الليل حيث أغلب لوحاته رسمت وكأنها تعيش على ضوء الشموع بعد سيطرته على الضوء وتوزيعه من منطلق ضوء شمعة واحدة تضيء المكان.
توجه الفنانً حيدر نحو رسم الشكل الإنساني، مفصحاً عما يعانيه الإنسان/الفنان من اضطهاد فـي الحيـاة، وتجاهل لفرديته ووجوده بوصفه قيمة عليا، وبطرق شتّى، محاولاً إيجاد طريـق للهروب إلى عالم آخر يخلو من العبثية والقلق والفوضى، وانتهاك الحرية باسم الحرية نفسها .
أما الجانب السردي للمشهد ، فإنه يحطم أيقونة الأشكال الإنسانية كونه لا يركز على جمالية الوجه والملبس وفضاء اللوحة بل يحيل شخوصه إلى حلم مفـزع للغاية ، وكأنها قد أصابها الرعب والفزع والقلق … لقد وفق صديقي الفنان حيدر في ايصال رسالته من خلال ابداعه في توظيف الألوان الداكنة في لوحاته متمنيا له الموفقية .