حفل استذكار للشاعرين الكبيرين زهير بردى وشاكر سيفو في ملبورن أقامه ملتقى سورايا الثقافي
الرافدين نيوز …
نقلاً عن صفحة القاص هيثم بهنام بردى
[ صعب جداً أن أتحدث عن زهير وشاكر ]• كتابة هيثم بهنام بردى
نص الكلمة التي قرأتها في استذكار الشاعرين الكبيرين الراحلين زهير بهنام بردى وشاكر مجيد سيفو الذي أقامه (ملتقى سورايا الثقافي) في ملبورن بأستراليا مساء يوم الثلاثاء 12/ 7/ 2022 على قاعة الأب عمانوئيل خوشابا.
شكر وتقدير ومحبة:
– تتقدم عائلتا آل بردى وآل سيفو بوافر الامتنان لملتقى سوريا الثقافي في ملبورن بأستراليا على إقامة هذا الاستذكار البهي للشاعرين الراحلين الكبيرين زهير بهنام بردى وشاكر مجيد سيفو… وتتمنيان لأعضاء الهيئة الإدارية رئيساً وأعضاء أن يكللهم الرب بتيجان الصحة والسلام، وللملتقى الزهو والتجدد والتألق.
– كما تتقدم بالشكر الوافر للاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين، واتحاد الأدباء السريان لإقامتهما الحفل التأبيني لكلا الشاعرين.
– والشكر موصول أيضاً للاتحاد العام للأدباء والكتاب في نينوى لإقامته حفلاً تأبينياً للشاعر شاكر مجيد سيفو.
– والشكر أيضاً المديرية العامة للثقافة والفنون السريانية في عنكاوا، وملتقى جيكور الثقافي في البصرة لإقامتهما الحفل الاستذكاري التأبيني للشاعر زهير بهنام بردى.
– والشكر الجزيل أيضاً لمجلة (بابلون) التي تصدر في ملبورن بأستراليا وصحيفة (طريق الشعب) لتخصيصهما ملفاً عن الشاعر زهير بهنام بردى.
– وشكراً لكل من آزر وواسي وشارك ذوي الفقيدين محنتهما القاسية بالرحيل المفجع للرمزين الكبيرين.
*******
الكلمة/
—
لن أحيد عن الإتيان بالقول الصادق بأن لو طُلب مني أن أكتب عن أي شيء يخطر في بالي ما توانيت عن التقاط اليراع وفرش القراطيس وسطرّت آلاف الكلمات وعشرات الصحائف، وما كللتُ، وهذا يقيناً يدخل ضمن خانة المعقول…
بَيدَ أن غير المعقول أن أّلمّ بكافة تفاصيل الدقائق والساعات والأيام والشهور والسنين والعقود الست والنيف وأكثر بقليل التي تقاسمت فيها الشهيق والزفير والمسرات والأتراح مع شقيقي وتوأم روحي زهير، والأخ الذي لم تلده أمي شاكر، فهذا الشيء يندرج ضمن مفهوم المحال…
والآن وقد انتقل الفارسان بكل عدتهما الابداعية التي كانوا يحاربون بها السكون البليد وتصدح العنادل بتغريديهما المتواصل الذي لم ينقطع قط إلاّ حين صافحهما وقبّلهما الملاك السماوي واصطحبهما في رحلة سرمدية نحو الفراديس، لا بد لي أن أضيء بإيجاز بعض المحطات أنا الفارس القنوط الذي كان يشكل معهما الصورة التي أرادها الكسندر ديماس في رائعته (الفرسان الثلاثة) حين كانت حناجرهم تصدح لمّا تحين ساعة الابداع بهتاف: (الواحد للكل والكل للواحد)… والآن يا صديقيّ أقف في الميدان وحيداً دون عضد أو صنو وتخرج كلمات شعارنا الأزلي: أين الكل…؟، الذي بقي هو واحد يحارب طواحين الحزن الأبدي بسيف يستدعي سيفين أثيرين لن يغيبا قط ….
وعندما نفترض جزافاً أن المحال من الممكن أن نصيّره حالاً، أستطيع أن أوجز بعجالة محطات من رحلة حياتية عشناها سوية.
الأولى: من العام 1970 ولغاية تخرجهما وأنا معهم من الثانوية عام 1973، شارك الشاعران في المهرجانات الشعرية التي كانت تقيمها لجنة اللغة العربية في الثانوية وكانت تتكون من أساتذة اللغة العربية في الثانوية (يوسف سكريا، جميل الحوراني، ومعد الجبوري) وكان الأخير شاعراً يعرفه المتلقي الموصللي والعراقي وكان تواً أصدر ديوانه البكر (اعترافات المتهم الغائب) وتلقفه الطلبة وفي المقدمة منهم شاكر مجيد سيفو وزهير بهنام بردى ونمرود قاشا ومؤيد ماروثا… وغيرهم، فشارك الطلبة ولمدة ثلاثة أعوام دراسية في المهرجانات، وتشكلت حينها الرغبة الحميمة في مواصلة المشوار فكان أن نشر زهير وشاكر ونمرود بداياتهم في صحيفة الرسالة الموصلية عام 1973، وإن كانت الصفحة تخص البدايات إلاّ أنها كانت الحافز الكبير لهم لمواصلة الكتابة والاستزادة من الزاد المعرفي.
الثانية – 1975: صدر العدد العاشر من مجلة (الطليعة الأدبية) التي تعنى بأدب الشباب والصادرة عن وزارة الثقافة والاعلام العراقية، وهذه الدورية كانت الحلم الذي لا تطاله ذائقات المبدعين الشباب الواعدين من المحيط إلى الخليج إلاّ بالجهد الجهيد، وكان يحتوي بين دفتيه قصة قصيرة لهيثم بهنام بردى، فكان الاحتفال بها رائعاً من خلال جلسة تضمنت زهير وشاكر وهيثم في فضاءات نادي الموظفين في بغديدا وتكرر الأمر بعد شهر حين نشرا في العدد القابل من المجلة قصائدهما، وكانت تلك الأشهر الأخريات من العام بداية صولة الفرسان الثلاثة في ميدان الأدب العراقي والعربي، وأذكر فيما يتراءى لذاكرتي أننا عشية الاحتفال بهما قال زهير:
– اليوم كتبت قصيدة احتفاء بمنجزي.
أثنى عليه شاكر بقوله:
– وأنا أيضاً.
فهتف زهير وهو رفع كأس العرق.
(فلنسكر يا شاكر…. فضباب الخمرة كون)
وأنزل الكأس منتشياً لننتبه لشاكر وقد كوّر كفه يمناه ويهمس.
(تمهل بسكرك يا زهير)
فتوالد إلى خاطري هاجس:
– هذان الممسوسان بالإبداع الثر سيحملان في المستقبل صولجان الشعر المتجدد والمتألق في فضاء الشعر العراقي والعربي.
الثالثة: التشظي في الذاتين توالدتا في زمنين مختلفين، فزهير اتجه نحو كتابة أدب الطفل، وكانت مفاجأته الكبرى حين نشر قصة قصيرة للأطفال في مجلة المزمار ذائعة الصيت إبان سبعينات القرن الماضي ثم أتبعها بقصيدة في الصفحة الأخيرة من صحيفة (طريق الشعب) ثم كتب قصائد أخرى ورواية للفتيان، وشاكر اقتحم فضاء القصيدة باللغة الأم إبان تسعينات القرن الفائت، فكان بحق المجدد الكبير لقصيدة النثر في العربية والسريانية ليس نظماً فقط بل نقداً أيضاً، وهاتان الخصلتنان تنمان عن الذات المتعددة لكلا الأديبين المائزين.
الرابعة: جائزة ناجي نعمان اللبنانية جائزة مرموقة يشارك بها المئات من المبدعين العرب والاجانب، حازها الفرسان الثلاثة باقتدار، بدأها هيثم في العام 2006، ثم شاكر في العام 2012، وزهير في العام 2019، وهي كانت الدافع والمحفز لتقديم المزيد من العطاء والتجدد.
الخامسة: أيها البديعان المبدعان لِمَ ترجلتما باكراً، وحتى في انتقالكما إلى الأخدار السماوية لم تمهلا بعضكما إلاّ بمائة يوم وحفنة أخرى، وكأنك يا شاكر أحسست بالوحدة وحدك هناك في فراديس الرب فحقق الإله القدير أمنيتك واستدعى زهير من دنيا الصلصال الساجي إلى موطن النور القدسي. كي تبقيا سوية مثلما كنتما في الدنيا، تاركين ثالثكما يرثي روحه من خلال رثاءه لكما وهو يتوقل فضاءات التذكر والتذكير.
ولعل الكتابة التي دبّجها الشاعر والفنان مروان ياسين ونشرها في صحيفة القدس العربي بعد يوم واحد من رحيل زهير، تترجم عمق الوشيجة التي كانت تربط بين زهير وشاكر والمتحدث المتواضع إذ يقول:
شكَّل الشاعر الراحل زهير بردى مع شقيقه القاص هيثم بردى والشاعر الراحل شاكر سيفو منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي، أبرز ثلاثة مثقفين أنجبتهم بلدة قره قوش التابعة لمحافظة نينوى، حيث كان الثلاثة على قدر كبير من الاهتمام والوعي بجذورهم العراقية الأصيلة وبملامح ثقافتهم السريانية، وطيلة العقود الخمسة الماضية لم يتوقف عطاؤهم الإبداعي كذلك مساهماتهم في الأنشطة والفعاليات الثقافية التي تقام داخل وخارج العراق.
*