تفجيرات أجهزة الاتصالات الإلكترونية في لبنان
وكالات – الرافدين نيوز
تفجيرات “البيجر” والأجهزة الإلكترونية في لبنان تمثل فصلاً قاتماً في تاريخ الصراعات المسلحة التي شهدتها البلاد. كانت هذه التفجيرات وسيلة تستخدمها الأطراف المختلفة في الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) وغيرها من الفترات اللاحقة لنشر الرعب والاضطراب. سنسلط الضوء في هذا المقال على طبيعة هذه التفجيرات، دور الأجهزة الإلكترونية مثل “البيجر” في تلك الهجمات، وتأثيرها على النسيج الاجتماعي والسياسي في لبنان.
1. استخدام البيجر والأجهزة الإلكترونية في التفجيرات:
خلال الثمانينيات والتسعينيات، أصبح استخدام الأجهزة الإلكترونية في التفجيرات أحد أساليب الجماعات المسلحة لتنفيذ عملياتها. تم تطوير أساليب مختلفة لتفجير العبوات الناسفة عن بُعد باستخدام الأجهزة اللاسلكية مثل “البيجر” (المناداة الإلكترونية)، وأجهزة الاتصال اللاسلكي والراديو.
البيجر كان في الأصل جهازًا بسيطًا يُستخدم في إرسال إشعارات قصيرة أو تنبيهات عبر موجات الراديو، ولكنه تحول إلى أداة خطيرة في أيدي منظمات مسلحة استخدمته لتفعيل المتفجرات عن بعد. فكرة استخدام البيجر كانت مبتكرة في ذلك الوقت، حيث يتم برمجة البيجر ليصدر إشارة عند تلقي رسالة قصيرة، وهذه الإشارة تستخدم لإشعال الدائرة الكهربائية التي تفجر العبوة الناسفة.
2. كيفية عمل التفجيرات الإلكترونية:
- يتم تجهيز العبوات الناسفة بآليات تفجير متصلة بأجهزة إلكترونية، سواء كانت الهواتف المحمولة، أو أجهزة الراديو، أو البيجرات.
- يتم وضع العبوات في الأماكن المستهدفة، مثل الشوارع، أو السيارات، أو حتى المنازل والمكاتب.
- عند إرسال إشارة من جهاز التحكم، سواء عن طريق مكالمة هاتفية أو رسالة إلى البيجر، يتم تفعيل المتفجرات.
- هذه التفجيرات كانت تستهدف شخصيات سياسية، عسكرية، أو مواقع استراتيجية بهدف تحقيق مكاسب عسكرية أو سياسية.
3. أثر هذه التفجيرات على المجتمع اللبناني:
أدت هذه التفجيرات إلى حالة من الخوف والذعر بين اللبنانيين. لم يعد الناس يشعرون بالأمان في حياتهم اليومية؛ فقد أصبح من الممكن أن تنفجر سيارة في أي لحظة، أو يتم استهداف شخصية عامة بواسطة عبوة ناسفة مخفية في مكان ما.
- تأثير نفسي واجتماعي: هذه الهجمات زرعت الخوف والشك في المجتمع اللبناني. بدأت الحوادث المتكررة تؤثر سلبًا على الحياة اليومية، حيث أصبح الجميع يتجنبون الأماكن العامة أو المزدحمة خوفًا من التفجيرات.
- آثار سياسية: استُخدمت التفجيرات كوسيلة لتصفية حسابات سياسية. فقد استهدفت العديد من الشخصيات السياسية والعسكرية اللبنانية، مما أدى إلى تدهور الوضع السياسي وزيادة الانقسام الطائفي والمذهبي.
- تطور التكنولوجيا الأمنية: كرد فعل على هذه التهديدات، اتخذت السلطات اللبنانية إجراءات أمنية مشددة. بدأت الدولة في مراقبة شبكات الاتصال وتعقب الإشارات اللاسلكية في محاولة لكشف الهجمات قبل حدوثها. ومع ذلك، كانت الجماعات المسلحة في كثير من الأحيان متقدمة بخطوة واحدة على السلطات، مستغلة التكنولوجيا الجديدة لتنفيذ الهجمات بطريقة أكثر تعقيدًا.
4. محاولات الحد من هذه الظاهرة:
مع مرور الوقت، تطورت التقنيات الأمنية والتكنولوجيات المضادة لكشف وتحييد الأجهزة المتفجرة الإلكترونية. بدأت قوات الأمن اللبنانية بالتعاون مع أجهزة استخبارات دولية لتحليل أنماط الهجمات وتطوير تقنيات لتعقب الإشارات المستخدمة لتفعيل العبوات الناسفة.
تعزيز الرقابة على أجهزة الاتصال: فرضت الحكومة اللبنانية رقابة مشددة على استخدام أجهزة الاتصال المحمولة، وخصوصًا تلك التي يمكن استخدامها لتفعيل المتفجرات. تم تشديد قوانين استيراد الأجهزة الإلكترونية الحساسة وفرض قيود على استخدامها في مناطق معينة.
5. النهاية وتأثير التفجيرات المستمر:
رغم أن الاستخدام المباشر لأجهزة مثل البيجرات تضاءل مع تطور التكنولوجيا، إلا أن تلك الحقبة تركت أثرًا عميقًا في الذاكرة الجماعية للبنانيين. ما زالت التفجيرات الإرهابية تشكل تهديدًا مستمرًا، وإن تغيرت الوسائل المستخدمة. لقد أدت هذه التفجيرات إلى تعميق الانقسام داخل المجتمع اللبناني، وأسهمت في جعل الأمن الشخصي هاجسًا دائمًا لدى المواطنين.
خاتمة:
مثلت تفجيرات “البيجر” والأجهزة الإلكترونية في لبنان جانبًا خطيرًا من الصراعات المسلحة التي شهدتها البلاد. وبينما تطورت أساليب التفجير والإرهاب، تبقى هذه الفترة شاهدًا على الإبداع المظلم الذي استخدمته بعض الجماعات لنشر العنف والخوف في المجتمع.
مصدر الصورة الأنترنيت