أعلن معنا... أعلن معنا...
مقالاتمقالات ودراسات نقدية و بحوث

الإسلام السياسي – ج4 – ماهر سلطان

سيد قطب

      يعدّ سيد قطب هو الشخصية الفكرية الثانية لجماعة الإخوان بعد المؤسس حسن البنا، ولا يُنكر أن للرجل  قلما أدبيا رشيقا، لكنه ليس بالحكيم الذي حاول الإسلام السياسي وجماعة الإخوان تقديمه، وتفخيمه، والإعلاء من شأنه، مع أننا بيّنّا على نحو الاقتضاب أفكارَ وتناقضاتِ المؤسس لهذا التنظيم  بين الإسلام القويم والحب الصوفي والأخلاق، وبين ما انتهى إليه من تأسيس جماعة التنظيم السري الإرهابي التي وصفها عند حادثة تفجير المحكمة هو نفسه بأنهم (لا مسلمين ولا إخوان)، إلا أن سيد قطب تبنى صوتا أكثر حِدّة، ومواجهة للمجتمع المسلم وغير المسلم، حيث تبنّى فكرةً تعدّ غاية في الخطورة تهدد المجتمعات كافة – التي ترضى بأيّ حكم غير إسلامي- على أنها مجتمعات “جاهلية” تؤدي في نهاية المطاف إلى كونها كافرة، وهذا ما سيعطي الحق لجماعة الإخوان ومَن تغذّى على أفكارها، وأفكار سيد قطب (المأخوذة في الأساس من الشيخ أبي الأعلى المودودي الهندي) على مواجهة حتى الشعوب الإسلامية ووصف مجتمعاتنا الإسلامية بالجاهلة، ثم الكافرة، ثم المواجهة المسلحة، والقتل دون أي تردد، أو ورع وتقوى في ذم المجتمع، وحرقه بهذه الأفكار الإجرامية الجديدة، إذ سيتحول الإسلام السياسي إلى مؤسسات تعمل على فرض رؤيتها في المجتمعات الإسلامية، وغير الإسلامية من دول العالم بأشكال متعددة غير متورعة في فرض تلك الرؤية حتى بالمواجهة المسلحة، والترهيب، والتسقيط، وبنظرة استعلائية، كأنهم فعلا أساتيذ العالم وهم من  يجب أن يقودوه، ويجعلوه على نمط فكري واحد، رافضين فكرة التعددية في حقيقة منهجهم.

      لكن ذلك كله قابل للتغيّر بشكل براغماتي (نفعي مصلحي) أو ميكافيلي (الغاية تبرر الوسيلة) وهي مرحلة التمكين كما يعبرون عنها، حتى تأتي الفرصة المناسبة للانقضاض على السلطة، وموقع القرار، فترى الديمقراطية التي أوصلتهم إلى سدة الحكم ما هي إلا حبرا على ورق في قرارة أنفسهم ومنهجهم؛ لأنها( الديمقراطية) ليست إسلامية، ويسحقون على التعددية وعلى المخالف لهم في الرأي والفكر؛ لأنه يمثل الجاهلية الكافرة.

هنالك ثمة ملاحظات أود أن أشير إليها:

الملاحظة الأولى

ينبغي الفصل والتفريق بين حركتين مختلفتين عن بعضهما هما:

الحركة الإصلاحية الإسلامية التي تبناها عدد من الشخصيات الإسلامية في نهاية القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين أمثال: محمد عبده، جمال الدين الأفغاني، رفاعة رافع الطهطاوي، عبد الرحمن الكواكبي، الطاهر بن عاشور، والطاهر الحداد وغيرهم، وكانت هذه الحركة تبحث عن المخرج والحلول لسؤال تأخر الدول الإسلامية، وعدم مواكبتها للنهضة الأوربية، وعوامل التخلف الحضاري للأمة الإسلامية، وغيابها التاريخي عن التطور والمدنية.

والحركة الإحيائية التي تبناها الإسلام السياسي التي انشغلت بالدفاع عن الهوية الإسلامية حينما شعرت بغيابها في ظل المد العلماني والغربي بعد سقوط الدولة العثمانية.

الملاحظة الثانية

     يدعونا الإنصاف إلى أن نقِرّ بأن الإسلامَ السياسي المتمثل في جماعة الإخوان المسلمين كان تنظيما همّه العالمية والأممية فكان عابرا للطائفية بين المذاهب الإسلامية، ولم يتقيّد بها؛ لذلك كانت له علاقات وطيدة بالحركات الإسلامية الشيعية بدءا من إيران (فدائيان إسلام، نواب صفوي)، وحزب الدعوة الإسلامي، وحزب الله اللبناني.

     من هنا ركزت الجمهورية الإسلامية الإيرانية على استلهام شخصيتَي حسن البنا، وسيد قطب حيث سميت شوارع في إيران بأسماء هاتين الشخصيتين، كما أننا نذكّر بشفاعة المرجعية في النجف الأشرف للإحالة دون إعدام سيد قطب.

     لقد تأثر الفكر الإيراني الإسلام السياسي بأفكار هذه الجماعة، حيث ترجم السيد الخامنئي الجزء الأول من كتاب “ظلال القرآن”، وكتاب “المستقبل لهذا الدين”، وكتاب “الإسلام ومشكلات الحضارة” من تأليف سيد قطب، وقد وصف السيد الخامنئي  السيد قطب بالمفكر المجاهد. وقد قام وفد الإخوان بتهنئة سريعة للسيد الخميني إبان الثورة الإيرانية.

     أخذ الفكر الإيراني الإسلام السياسي وتأثر بفكر الإخوان على صعيد التنظيم، والأسلوب في الدعوة، والتبليغ والتشكيلات من النظام الوعظي حتى نظام الاغتيالات على عهد النظام الخاص للإخوان، واغتيالات فدائيان إسلام التي انتهت بالحكم على نواب صفوي بالإعدام بعد عمليات اغتيال عدة قامت بها الحركة. وقد أُخِذَ لقب الإمام الذي أطلقه حسن البنا على نفسه، ولقّب به السيد الخميني، وهذا من عجيب الأمور! فأما لقب الإمام فلا يطلق في التراث الشيعي إلا على الإمام (المعصوم) من الأئمة الإثني عشر، وكذلك لقب المرشد الذي كان لزعيم الإخوان اصبح هو لقب ولي الفقيه في دولة ولاية الفقيه اليوم.

الملاحظة الثالثة

     يعتقد الإسلام السياسي أن له الحق في قيادة هذا العالم، وأنهم أساتيذه، ولعلك تجد ذلك واضحا في كلمات السيد الخميني في كتاب الثورة الإسلامية الذي يمثّل به الشعوب الإسلامية بالأطفال الذين تجب عليهم الوصاية من الفقيه، علما أن الإسلام السياسي لا يعترف بالوطن، والقوميات، والمذهبيات، ولا يعتني بها إلا على مستوى السياسة ومصالحها، كما يتقاطع الإسلام السياسي مع الوطنية ومع الديمقراطية، لكن بعد الوصول إلى سدة الحكم والتسلط على الشعوب، أما قبلها فهو محتاج  إليها كوسيلة مفروضة من قبل سياسة الدولة المدنية. ويأخذ الإسلام السياسي ثقافة المجتمع الذي ينشأ فيه وقد يتطرف أحيانا بعد امتلاكه سبل القوة والتمكين.

     الإسلام السياسي بطبيعته شعبويا يستطيع أن يوجد الأسباب للتغلغل في المجتمعات الإسلامية؛ لأنها تحمل إرثا إسلاميا كبيرا يجعلها تصطف وتتعاطف مع أي حركة إسلامية في مواجهة العلمانية والمدنية والحداثة، وهذه المصطلحات الحديثة التي صورها الإسلام السياسي وأقلامه على أنها أعداء الدين والله والنبي والمجتمعات .

     لا ينبغي الشك بأن الإسلام السياسي أول تمظهره كان على شكل جماعة الإخوان ومن خرج من عباءته وكان جناحا من أجنحته أو تأثر بأفكاره ومنهجيته؛ لذلك كان لنا نوع من التركيز على هذه الجماعة دون غيرها من حزب التحرير الفلسطيني أو حزب النهضة التونسي أو حزب العدالة والتنمية المغربي أو الجبهة الإسلامية القومية في السودان (لحسن الترابي) أو التنمية والعدالة  التركي أو حركة فدائيّ الإسلام الإيراني أو حزب الدعوة  الإسلامي العراقي،  ولكن هذا لا يعني أن  هذه الأحزاب والحركات كلها كانت قد تأثرت به أو انتهجت نهجه على حد سواء واتبعته في اعتداله أو تطرفه على حساب ثقافة المجتمع التي نشأت فيه، بل كانت لتلك الأحزاب خصوصياتها وثوابتها ومبادئُها التي قد تختلف فيها مع جماعة الإخوان وهي محكومة بظروفها السياسية والمجتمعية المختلفة عن تلك الجماعة .

     كما ينبغي أن نبين للقارئ الكريم أننا لا نقصد سلب الحق عن أي حزب أو حركة المشاركة بالمعترك السياسي، لكننا في مجال النقد والمحاسبة للأحزاب الإسلامية التي تتنكر لمبادئها الإسلامية العامة أو التي تحكم وتظلم وتفسد باسم الإسلام فتحمّل بذلك الدينَ ما لا علاقة له به من قريب أو بعيد .

     أريد هنا أن أقول بكل صراحة بما لا يقبل الغموض والتردد والمراوغة والتأويل إن تورط أي فرد أو حزب أو دولة إسلامية وغير إسلامية في القتل لمن لا يستحقه من الأبرياء ( الذين لم يثبت بالنص الصريح وجوب قتله) لا يمكن أن نبرر له أو نمجده أو ندافع عنه  بحجة أنه قتل لمصلحة سياسية أو من باب الضرورة، وعلينا إدانته والتنديد به ومعارضته ونقده ويكون القاتل هنا كل من أسس للقتل أو خطط له أو حرّض عليه أو سكت عنه.

ختاما

     لم أشأ الإسهاب في موضوع الإسلام السياسي؛ لعدم إحاطتي بجميع أطراف هذا الموضوع الكبير الذي كُتبتْ فيه كثير من الكتب، والمقالات، والبحوث، وعقدت العديد من المؤتمرات الثقافية، وأجريت لقاءات تلفازية كثيرة؛ لذا توخيت الإيجاز آملا ألا يكون إيجازا مخلا، حيث كان همّي في هذه الحلقات المتواضعة إلقاء الضوء على مفاصلَ كنا نعتقد بأهميتها في هذا الفكر.

     كما أنني بيّنتُ وجهة نظري فيه بلغة مبسطة، سهلة قدر المستطاع؛ كي يستوعبها عدد كبير من القراء، والمتابعين على اختلاف مستوياتهم الثقافية، واعلموا أنني كتبت ما كتبت في هذه الحلقات لنصل إلى نتيجة واحدة هي الوقوف بجانب الإنسان بما هو إنسان، الذي له حق الحياة وحرية الاختيار والنقد والمعارضة والتعبير.

     في نهاية المطاف تظل نظرتي عن الإسلام السياسي  التي قدمتها في هذه السلسلة نظرة فرد غير متخصص، وغير مطّلع اطلاعا كاملا على الموضوع الواسع، ومن البدهي أن يكون الموضوع في دائرة النقد وتسليط الضوء وإبداء الآراء المخالفة.

انتهى

ماهر سلطان 2020م

ماهر سلطان

ماهر سلطان .من مواليد ١٩٧٠ بغداد الكرخ كاتب وباحث غير متخصص في المجالات الانسانية من الاجتماع والسياسة والتاريخ والفلسفة والدين‎‎.
زر الذهاب إلى الأعلى

Sign In

Register

Reset Password

Please enter your username or email address, you will receive a link to create a new password via email.