الإسلام السياسي – ج3- ماهر سلطان
الإخوان المسلمون
كانت فكرة إحياء الهوية الإسلامية تدور في رأس مؤسس جماعة الإخوان المسلمين “حسن البنا” المولود في 14 اكتوبر 1906م، في مدينة المحمودية، محافظة البحيرة، في مصر، صاحب السمت الصوفي، والوعظي، والبدايات الأخلاقية التي يحدثنا عنها هو شخصيا في كتابه (مذكرات الدعوة والداعية).
لو رجعنا إلى محطات فارقة في حياة الأمة الإسلامية، والبلاد العربية وغيرها في الشرق الأدنى والأوسط، والمغرب الكبير لكانت محطة هذه الجماعة وما ألقت بظلالها على الواقع لهذه الدول أحد أهم اللحظات والمحطات التي تلاعبت في مصائر شعوب المنطقة الإسلامية من غربها المغربي حتى شرقها المتصل بإيران وتركيا تأثرا بفكر هذه الجماعة التي لا يمكن أن توصف بالبراءة أبدا بعد التعرف على سيرتها وسيرة مؤسسها وكبار رجالاتها .
في المؤتمر الخامس للجماعة في الذكرى العاشرة لتأسيسها ظهر الشيخ حسن البنا كزعيم سياسي، وليس كزعيم ديني، وبوجه صريح بعدما كان يصرح في بدايات نشوء التنظيم، أن الجماعة لا تبحث عن سلطة ولا دخل لها في المعترك السياسي، وكان هذا المؤتمر نقطة التحول التي تكلم عنها كبار جماعة الإخوان والكتاب والمفكرين الإسلاميبن، إذ انطلقت دعوات الرجل للخلافة الإسلامية، والسياسة، والجهاد، والإعداد والقوة، كما ذكر أن جماعة الإخوان المسلمين هي دعوة (سلفية)؛ لأنهم يريدون عودة الإسلام إلى معينه الصافي من كتاب الله وسنة رسوله، وبالطريقة السنية؛ ولأنهم يعملون كل شيء احتذاءً بالسنة النبوية، لاسيما في العقائد، والعبادات، وهي حقيقة صوفية؛ لأنهم يعلمون أن ذلك كله يكون عن طريق صفاء النفس، وطهارة القلب، والمواظبة على العمل، والإعراض عن الخلق، والحب لله، فهم إذن:
– هيئة سياسية؛ لأنهم يطالبون بإصلاح الداخل وتصحيح النظر في صلة الأمة بغيرها من الأمم، وتربية الشعب على العزة والكرامة، والحرص على (قوميته) إلى أبعد الحدود (وهذا ما سيتنكر له في كتاباته لاحقا ويظهر علنا).
– ورابطة علمية؛ لأن الإسلام يجعل خطاب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة.
في الحقيقة أن حسن البنا -كما سيتبين- كان لا يريد التعارض مع أيّ توجّه؛ لأنه يريد اجتذاب الجميع حيث كان يتكلم بالعموميات، وبشكل ضبابي، لا يفصّل ولا يضع النقط على الحرف بشكل واضح .
حسن البنا
حسن البنا، الذي يحاول أن يبين لنا في كلمات المؤتمر، وفي رسائله المجموعة في كتاب “رسائل الإمام حسن البنا”، أفكار الجماعة التي وصفها أنها جماعة تدعو إلى الإسلام النبوي الأصيل، وهو الذي يذكر في كتاب الدعوة والداعية (حسن البنا) أن فِرق الرحلات (جناح عسكري للإخوان) زحفت لاستقبال و (مبايعة) الملك فؤاد وهو في طريق عودته من الحج، وأدت الجماعة له (البيعة).
فهل كان الملك فؤاد بمجونه وظلمه وحكومته وبلاطه يمثل الإسلام النبوي، والخلافة الإسلامية؟!
أين الأخلاق والتصوف التي كانت في شخصية البنا الذي كان يحدثنا عنها في صدر الكتاب، وفي رسائله عن المثل العالية للإخوان؟
ليس مستغربا أن تقوم جماعة الإخوان بحذف هذه الحادثة من كتابه (الدعوة والداعية) في طبعتها الثانية وما تلتها من الطبعات، التي لم يدلنا عليها إلا المؤرخ المحترم عبد العظيم رمضان في كتابه (الإخوان المسلمون والتنظيم السري) إذ ذكر رقم الصفحات (251-252) في الطبعة الأولى منه.
هل الانتهازية، والوصولية، والميكافلية شيء آخر غير هذا العمل؟
حسن البنا وصناعة الموت
لم يتحرج حسن البنا في كتابة مقال بعنوان “صناعة الموت” الذي يقول فيه: “فالموت صناعة من الصناعات، من الناس من يحسنها فيعرف كيف يموت الموتة الكريمة، وكيف يختار لنفسه الميدان الشريف والوقت المناسب، فيبيع القطرة من دمه بأغلى ثمن… ومن الناس جبناء أذلة جهلوا سر هذه الصناعة وغفلوا عن مزاياها وفضائلها فمات كل واحد منهم في اليوم ألف موتة ذليلة وبقي وموتاته هذه حتى وافته الموتة الكبرى ذليلة كذلك لا كرم معها ولا نبل فيها في ميدان خامل خسيس ضارع وقضى ولا ثمن له وأهدر دمه ولا كرامة”.
في ضوء النص المتقدم نفهم أن حسن البنا حكم على كل من لم يمت شهيدا فإنه سيموت موتة ذليلة، ولم يستثن أحدا من هذا الحكم حتى مشايخه من العلماء والمؤمنين والصوفية فإنهم مشمولون أيضا. نعم إنها صناعة الموت لا الحياة التي جعلت حسن البنا يؤسس التنظيم الخاص للإخوان، وهو فرقة الاغتيالات السرية المجرمة التي عاثت في مصر قتلا لرجالاتها، وعوام الناس البسطاء، وهي المتهمة في مقتل حسن البنا نفسه.
إن هذا التنظيم الخاص الذي أسسه البنّا، سيكثر الجدل حوله لاحقا بعد العمليات الإرهابية التي قام بها، إذ سيكون الوجه الحقيقي لجماعة الإخوان، ولا يمكن استعراض عمليات هذا التنظيم هنا، ولا حتى في عشرات الصفحات، ولكن سنشير إلى أهم جرائمه نحو؛ قتل رئيس وزراء مصر الوطني النقراشي بيك، وأحمد ماهر بيك، والتخطيط لتفجير محكمة بعد وضع المتفجرات فيها إلا أنه تم اكتشافها في اللحظات الأخيرة، وإخراجها خارج البناية على يد شرطي مصري، والتخطيط الكبير لتفجيرات كبيرة وسط القاهرة في قضية سيارة الجيب الشهيرة، وضلوع اسرائيل فيها بالاتفاق مع هذا التنظيم الخاص، وكذلك في حرق وتفجير بيوت المصريين اليهود بالاتفاق مع منظمة “لافون” الصهيونية التابعة لوزير الدفاع الإسرائيلي (لافون)؛ لغرض هجرة اليهود إلى فلسطين المحتلة.
علينا الوقوف مليا عند هذه الآلية التي ابتكرها حسن البنا، لهذه الجماعة، وهي إيجاد الجماعات المسلحة، ثم التنظيم الخاص، التي شكلت مفهوم اللادولة المسلحة داخل الدولة التي يكون لها نوع خاص من الحكم، والضغط على الدولة سيظهر ذلك في دول أخرى، استلهمت هذه الفكرة التدميرية لانتشار الميليشيات الضاغطة، ولكن تشرعن نفسها بأشكال يتعاطف معها الشعب في بداية الأمر، وتسكت عليه الدولة الرسمية او توظفه أما من خلال سماسرة، أو من خلال الخديعة، وتتبنى شعارات وطنية، أو دينية حتى يستتب لها الأمر، ثم تتشعب، وتأخذ دورها التسلطي على واقع الدولة بكل مؤسساتها.
جماعة الإخوان والإسلام السياسي لا يؤمنان بفكرة الوطن، ولا بالقومية، بل تكون الهوية الإسلامية عابرة للحدود، والعرق؛ لذا نجد في كلام مهدي عاكف، وهو من جماعة التنظيم الخاص يقول للمقدم الذي سأله في لقاء مسجل تلفزيونيا عن مصر فيرد بكلمة (طز)، مبينا عدم اكثراثه بهذا المفهوم وهذه الدولة القطرية والوطن.
الحق يقال أن جماعة الإخوان لم تكن جماعة طائفية، مذهبية، فمشروعهم أممي عابر للحدود الجغرافية والطائفية؛ لذلك كانت لهم مع الحركات الشيعية، علاقات تنظيمية، وثقافية ، ومواقف مؤيدة، ظهر ذلك جليا على عهد نواب صفوي زعيم تنظيم (فدائيان إسلام)، ولقاءاته المثمرة مع جماعة الإخوان وسيد قطب، كما قام السيد علي خامنئي بترجمة كتابين لرجل الإخوان اللامع سيد قطب مع الجزء الأول من كتابه (في ظلال القران).
يجدر بنا القول إن نظرية الإسلام السياسي التي تبتني على (وجوب حكم الإسلام، والشرعية الإلهية) هي أقرب للفكر الشيعي منه إلى السني؛ وذلك لأن الفكر الشيعي (الإمامي الإثني عشري) يعتقد باستمرار الولاية الإلهية والوظيفة النبوية في شخص الإمام (المعصوم) وعند غيابه يتم الرجوع إلى الفقيه والمجتهد ذلك الرجل الذي يمكن أن يمارس صلاحيات الإمام الغائب، إما بشكل مطلق كما تبناها الإمام الخميني، أو بشكل جزئي، وقد قام الشيخ منتظري في التأصيل لهذه الولاية (ولاية الفقيه) بشكل كبير في كتابه الموسوم (دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية)، حتى أنك تجد لتنظيم الإخوان فرعا كان يعمل في الوسط العراقي صاحب الأغلبية الشيعية، بل حتى في النجف الاشرف، وكلنا يعلم الشفاعة التي قام بها السيد محسن الحكيم إلى الرئيس جمال عبد الناصر في التريث، وعدم تنفيذ حكم الإعدام في حق سيد قطب التي يُعتَقد أنها كانت بطلب من السيد محمد باقر الصدر آنذاك.
ملحوظة: يرجى مراجعة كتاب “سر المعبد” بجزئيه للإخواني المنفصل عن الإخوان ثروة الخرباوي، ولقاءاته التلفزيونية العديدة والمفيدة جدا؛ لتكوين فكرة جيدة عن هذه الجماعة، وكل ما يقدمه مدعوما بالوثائق، والاعترافات المسجلة في محاكم مصر الرسمية، أو من خلال مذكرات كبار شخصيات الإخوان الذي كان واحدا منهم.
يتبع…
ماهر سلطان
2021